للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رابعًا: قاعدة التوبة التي تسقط بعض الحدود:

كحد الحرابة قبل إلقاء القبض على المحارب ترغيبًا له في الصلاح وصيانة لدمه وماله، قال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:٣٤] .

وهو عفو تشريعي بالنص يمكن أن يطالب به المجرم قضائيًّا (١) .

والتوبة تسقط عند بعض العلماء حد السرقة (عند الشافعية) وعند بعض كل الحدود.

إلا أن التوبة لا تسقط حقوق الناس.

إن أثر التوبة في التشريع الجنائي الإسلامي لا مثيل له في أي تشريع، فهو سبيل مهدها الشارع لإصلاح المجتمع وإعادة المنحرف إلى الصواب، حيث يستطيع من خلالها أن يستعيد حقوقه المدنية.

التوبة تسقط التعزيرات، قال القرافي: من الفروق بين الحد والتعزير: أن التعزير يسقط بالتوبة ما علمت في ذلك خلافًا، والحدود لا تسقط بالتوبة على الصحيح: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} (٢) .

وبالنسبة لسقوط الحدود بالتوبة فقد اختلف فيه العلماء بعد اتفاقهم على سقوط حد الحرابة بالتوبة قبل القدرة على المحارب، لقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} .

فمذهب الجمهور أنها لا تسقطه، وذهب عطاء وجماعة وقال به بعض الشافعية تسقط السرقة، لقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٣٨) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} [المائدة: ٣٨ - ٣٩] .

وعزاه للشافعي وحملوا عليه سائر الحدود قياسًا (٣) .

ولورود أحاديث عدة في هذا الباب.


(١) القرطبي: ٦.
(٢) الفروق: ٤ / ١٨١.
(٣) القرطبي: ٧ / ١٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>