للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثامنًا - الإسلام وحرمة الميت وتكريمه:

لقد من الله تبارك وتعالى على بني آدم وأكرمه إكرامًا كبيرًا وفضله على كثير من مخلوقاته وسخرها له نعمة وفضلًا فقال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: ٧٠] .

وشمل هذا التكريم بني آدم أحياء وأمواتًا كما قال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (٢٥) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} [المرسلات: ٢٥ - ٢٦] ، وكما قال تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: ٥٥] .

وقص علينا القرآن العظيم تطوع نفس قابيل بن آدم على قتل أخيه فقتله وارتبك بعد قتله لأخيه، ولم يعرف ماذا يفعل به (١) فأكرمه الله عز وجل لرؤية مواراة الغراب لدفن أخيه، وهو مظهر من مظاهر التكريم يأخذ الإنسان فيها العبرة والعظة، قال تعالى: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} [المائدة: ٣١] وهي تكريم للإنسان جعل الإسلام دفن الميت فريضة على الكفاية، لأن في تركه دون دفن هتكًا لحرمة الميت وتفريطًا بكرامة الإنسان وحقوقه، وقد تناول الفقهاء رحمهم الله أمر تكفينه وقبل ذلك غسله فجعلوا لمن يتولى هذا الأمر قيمًا سمي بمنصب غاسل الموتى، فقد جاء في كتاب نقد الطالب لزغل المناصب للإمام شمس الدين محمد بن طولون الدمشقي ٨٨٠ - ٩٥٣هـ.

أن عليه "استيعاب البدن بالماء بعد أن يزيل ما عليه من النجاسة، ويستحب أن يغسل في موضع مستور لا يدخله سواه، وسوى من يعينه وولي الميت إن شاء، ويكره أن ينظر إلى شيء من بدنه إلا لحاجة، يضع قميصًا باليًا أو سخيفًا فيدخل يده من تحته ويغسله، وغسل الميت فيه بر وإكرام" (٢) .

وكره التشهير بالميت لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سباب الموتى فقال صلى الله عليه وسلم: ((ساب الموتى كالمشرف على الهلكة)) (٣) ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء)) (٤) ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساوئهم)) (٥) . أتوجد هذه التوجهات والنصوص والآداب المرعية في القانون العلمي ل حقوق الإنسان؟ إنها صور من تكريم الإنسان حيًّا وميتًا.


(١) انظر: التيسير في أحاديث التفسير، للعلامة سيدي محمد المكي الناصري: ٢ / ٤٨، دار الغرب، سنة ١٤٠٥هـ.
(٢) نقد الطالب لزغل المناصب، ص ١٨٨، دار الفكر المعاصر - بيروت، سنة ١٤١٢هـ، مطبوعات مركز جمعة الماجد - دبي.
(٣) أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عمر.
(٤) أخرجه الإمام أحمد والترمذي عن المغيرة.
(٥) أخرجه البيهقي في السنن عن ابن عمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>