١- لا بد لنا إذا أردنا فهم أبعاد الحقوق الثقافية للإنسان في الإسلام من أن نلفت النظر إلى أن نظرة الإسلام إلى (الحقوق الثقافية للإنسان) إنما هي نظرة جزئية من أصل (نظرة كلية) هي نظرة الإسلام إلى (الله والكون والإنسان) .
٢- ونحن لسنا في مقام شرح النظرة الكلية للإسلام، ولكن ارتباط (النظرة الجزئية) بتلك (النظرة الكلية) حول الله والكون والإنسان يوجب علينا الإشارة إليها بالقدر الذي لا بد منه، وذلك من أجل تحديد (خصائص الحقوق الثقافية في الإسلام) ، والكشف عن أبعادها في حياة الإنسان.
٣- فالإنسان في إطار هذه النظرة الكلية واجب عليه باسم الدين النظر في السماوات والأرض وفي نفسه، وذلك من أجل هدف سام مفروض عليه، ألا وهو الإيمان بالله إيماناً علميًّا مؤسساً على اليقين المنطقي.
ويلي الإيمان بهذه الحقيقة الأولية الإيمان بعظمة هذا الخلق وبديع صنعه، فالاعتراف بهذا إقرار بحكمة إيجاد هذا الكون ونظامه، ودلالته على خالق قادر عليم حكيم، مستحق للعبادة وحده.
ومن ثم تأتي معرفة ثالثة، هي أن الإنسان جزء من هذا الكون الواسع، ولكنه يشغل مكاناً متقدماً بفضل ما أنعم الله به عليه من عقل، وتكريم، وتسخير ما في السماوات والأرض له، ولم يعد مسخراً لها. ومن هنا يأتي الأمر الإلهي للإنسان بالتعمير، والنهي عن الإفساد، والذي يترافق مع السماح بالتمتع بالطيبات، ولكن بنظام يحافظ على هيبة الإنسان وتعلقه بالله، ويحفظ الكرامة والعدل والمساواة والسلام.