وفي الوقت الذي نفتخر فيه بهذه الصور العظيمة التي تظهر حقيقة الإسلام في احترام الإنسان وأحقيته في التمتع بحقوقه، فإننا لا نستطيع أن ننكر صوراً تاريخية كانت غاية في انتهاك حقوق الإنسان، منها على سبيل المثال اغتصاب حقوق الإنسان السياسية في صور البيعة القسرية التي شهدتها بعض العصور، وانتهاك حقوق الإنسان الفكرية في عدد من الحوادث التي ألجمت بعض الأفواه عن أن تفكر وتعبر بحرية والتي منها خلافات الرأي حول مسألة خلق القرآن، وكذلك تغييب حقوق الإنسان في المجال الاجتماعي كما هو الحال في بعض التفسيرات المتعلقة بوظيفة المرأة في المجتمع الإسلامي.. إلخ، ذلك من الصور السلبية التي لا تعبر على الإطلاق عن حقيقة الإسلام ولا تقترب منه، يضاف إلى ذلك ما تعانيه دول العالم الإسلامي المعاصر من ترد لـ حقوق الإنسان في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والفكرية، مما جعل العالم الغربي يضع العالم الإسلامي مثلاً على انتهاكات حقوق الإنسان.
وأيًّا كان واقع الحياة في المجتمع الإسلامي الماضي والحاضر قريباً من التصور القرآني أو بعيداً عنه، فإن ذلك لا يغير من حقيقة هذا التصور ودعوته إلى أن يكون الإنسان هو محور الحياة وأن سائر المخلوقات الأخرى قد سخرت له ليعيش بكامل حقوقه ويؤدي جميع واجباته، هذا التصور الذي يجعل من مسألة حقوق الإنسان عطية من عند الله يجب على المؤمنين المحافظة عليها مرضاة لربهم، وهذا ما يوفر لها مصداقية وثباتاً أكثر من كونها عطية من سلطان أو حاكم أو هيئة، أو كونها عطية من إعلان أو ميثاق تصدره منظمات أو دول ثم تعدله متى شاءت وتتقاعس عن تطبيقه أحياناً.