للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الثالث- مشروعية الوقف:

اتفق جمهور علماء السلف على جواز الوقف وصحته استدلالًا بالآثار المروية، وخالف في ذلك ما روي عن القاضي شريح أنه كان يرى الوقف باطلا غير جائز، ويقول: جاء محمد صلى الله عليه وسلم ببيع الحبيس، وما روي عن فقهاء الإباضية: أن الوقف منسوخ بآيات المواريث بالحديث النبوي: ((لا حبس عن فرائض الله تعالى)) أي لا منع عن المواريث المفروضة، ولا ريب أن أوقاف الصحابة المستمرة إلى ما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم تنفي زعم النسخ نفيا قاطعا.

وقد ثبت عن الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه روايتان؛ أولاهما: ببطلان الوقف، وثانيهما: بأنه صحيح غير لازم كـ العارية، وهذا ما رجح فقهاء الحنفية أنه هو مذهب الإمام أبي حنيفة، وقد خالفه صاحباه فقالا بصحة الوقف ولزومه كسائر المجتهدين، وقيل: إن الإمام أبا يوسف خالف الإمام بعد وفاته لما ظهرت له قوة المدرك لديه.

هذا؛ وأول وقف ديني في الإسلام هو مسجد قباء الذي أسسه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم المسجد النبوي في المدينة، وأول وقف من المستغلات الخيرية عرف في الإسلام وقف النبي عليه السلام، وهو سبعة حوائط من النخيل بالمدينة، ثم تلاه وقف سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وثم وقف سيدنا أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه.

ووقف سيدنا عمر بن الخطاب أرض (ثمغ) فيها نخيل جاء يستشيره فيها فقال له: ((إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها)) (١) قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (وحديث عمر هذا أصل في مشروعية الوقف) (٢) ، واستمر عمل الأمة منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا، وانعقد الإجماع على وقف الأموال على وجوه الخير ومنع التصرف فيها من الواقف وغيره (٣) .


(١) رواه الجماعة في نيل الأوطار: ٦/ ٢٠.
(٢) انظر: (أحكام الأوقاف) لأستاذنا الشيخ الزرقا: ١ /٧ وما بعدها؛ وكتاب (الفقه الإسلامي وأدلته) : ٨/ ١٥٥ وما بعدها
(٣) انظر: (الاختيار لتعليل المختار) للعلامة ابن مودود الموصلي: ٣/ ٤٠ وما بعدها

<<  <  ج: ص:  >  >>