للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الثاني- صورة وقف النقود لدى العلماء المجيزين:

تبين أن وقف الدراهم والدنانير في البلاد التي تعورف وقفها صحيح عند متأخري الحنفية.

هذا؛ ولما كان الغرض من الوقف استمراره بقدر الإمكان، والدراهم والدنانير لا ينتفع بها إلا بالاستهلاك، فقد أوجد الحنفية طريقة لاستغلالها مع البقاء، وهي أن تعطى الدراهم الموقوفة لشخص يتجر فيها ويكون له جزء من الربح حسب الاتفاق (مضاربة) ، أو لا يأخذ شيئا من الربح (بضاعة) ثم يعطى الربح كله أو بعضه للموقوف عليهم، وإذا كانت النقود تفي لشراء عقار يستغل ويعطى ريعه للموقوف عليهم اتبع ذلك، لأن العقار أبقى من النقود ولو اتجر فيها (١) . وبالجملة: فلقد ذكر الفقهاء المجيزون لوقف النقود ثلاث صيغ هي:

ا- أولها: القرض أو السلف؛ فتقرض النقود لمحتاجيها ثم تسترد منهم وتقرض لآخرين وهو المنقول عن بعض فقهاء الحنابلة كالإمام ابن تيمية رحمه الله، ونقل هو عن الإمام مالك صحة وقف الأثمان للقرض (٢) .

٢- وثانيها: طريقة استغلال الدراهم والدنانير إذا تعورف وقفها، بأن تدفع لمن يعمل فيها على سبيل شركة المضاربة مثلا، وما يخرج من الربح يتصدق به في جهة الوقف.

٣- وثالثها: الإبضاع (٣) وهو المقصود بقول صاحب الدر وحاشيته (بضاعة) ، وهو دفع المال النقدي لمن يتجر به على أن يكون الربح كله لرب المال، وللعامل حصته من الربح أو يكون متبرعا بها (٤) ، ومع هذا وذاك فإن أستاذنا العلامة الشيخ الزرقا يقول: (التصرف في مال الوقف يستمد أحكامه من التصرف في مال اليتيم) (٥) ، فلا بد إذًا من ضمان رأس مال الوقف كرأس مال اليتيم احتياطا، والعلامة ابن قدامة من الحنابلة يقول في المغني (٦) : (روي عن عائشة رضي الله عنها أنها أبضعت مال محمد بن أبي بكر، ويحتمل أنها جعلته من ضمانه عليها، إن هلك غرمته) (٧) .


(١) انظر: مباحث الوقف للشيخ محمد زيد الأبياني بك، ص ٢٠ وما بعدها.
(٢) انظر: الاختيارات الفقهية للإمام ابن تيمية، ص ١٧١؛ والفتاوى الكبرى: ٣١/ ٢٣٤
(٣) الإبضاع: مصدر، وهو إعطاء شخص آخر رأس مال على كون الربح تماما عائدا له، فرأس المال البضاعة، والمعطي المبضع، والأخذ المستبضع؛ انظر: مجلة الأحكام العدلية م/ ١٠٥٩؛ والقاموس الفقهي للعلامة الأستاذ سعدي أبو جيب، ص ٢٧
(٤) انظر: فتح القدير: ٥/ ٥١.
(٥) انظر: أحكام الأوقاف: ١/ ١٦.
(٦) انظر: المغني لابن قدامة: ٤/٢٩٣.
(٧) ذكر بعض الباحثين المعاصرين لونًا من ألوان وجوه وقف النقود وهو وقف النقود وتسبيل فوائدها الربوية. قلت: وهو ربا محض وحرام باتفاق الأمة، ولا يجوز بحال من الأحوال فليعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>