للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الثالث- ترجيح العمل بالوقف النقدي في زماننا لشدة الحاجة إليه وللتعامل:

أجاز المالكية ومتأخرو الحنابلة والمتأخرون من الحنفية كما ذكرنا وقف النقود، وأما المذهب الشافعي (١) فأبطل الوقف المؤقت إلا في أشياء استثناها المتأخرون من الشافعية كـ الرملي؛ فأجاز وقف ما تحصل منه فائدة مع بقائه مدة.

والإمامية الإثنا عشرية اشترطوا في الموقوف صحة الانتفاع به مع بقاء عينه؛ جاء في المختصر النافع للعلامة الحلي (٢) (ويشترط أن يكون الموقوف عينا مملوكة ينتفع بها مع بقائها) وكذلك جاء في عيون الأزهار للإمام المرتضى (٣) . قلت: والذي يتضح من الأدلة أن القول بجواز وقفها في هذا العصر هو الراجح، وذلك لأسباب وجيهة اقتضت هذا الترجيح:

١- أولها: لأن النقود لم يعد لها المفهوم السابق من حيث إنها أموال سائلة وغير ثابتة، فالنقود باعتبار بقاء قيمتها في أمثالها أموال ثابتة من هذا الوجه.

٢- وثانيها: لأن النقود مثلية، ومثل الشيء ذاته، ولا تتعين بالتعيين، وبدلها يقوم مقامها تماما، ومع التسليم بأن الاستفادة الصحيحة تقتضي تقليبها، فإن ذلك لا يقتضي أبدا إهلاك عينها وذهابها بالكلية، فهي باقية بشكل دائم (٤) .

٣- وثالثها: إنما قصد من قال بوقف النقود اعتبار النقد أصلا قائما يستغل أو ينتفع به مع بقائه، وهذا معنى قولهم: (الوقف تحبيس الأصل مع تسبيل الثمرة) .

فلا فرق بين وقف النخل ووقف النقد فكلاهما عينه من وجه، وتبقى هذه العين من وجه آخر ألا وهو بقاء الثمرة واستمرارها، ولذلك قال الحنفية المتقدمون، لا بد من شراء فسائل وغرسها حتى يظل النخل قائما مستمرا (٥) ، فأين الفرق بين هذا وذاك؟! فلئن صح في وقف النخل، فوقف النقود يخرج عليه إذ لا فرق بينهما في التحقيق، وهو وجه الاستحسان (٦) .

وبهذا يتبين رجحان القول بجواز وقف النقود بشروطه المعتبرة شرعا كما قررها الفقهاء المجيزون استحسانا، والله أعلم.


(١) انظر: الرملي: ٥/ ٣٧٣ وما قبلها، وذلك كوقف الريحان للشم مزروعا لبقائه مدة لا محصورا لسرعة فساده. اهـ
(٢) المختصر النافع، ص ١٨٠ وما بعدها.
(٣) عيون الأزهار للإمام المرتضى، ص ٣٥٩.
(٤) انظر: حاشية رد المحتار: ٣/ ٣٧٤؛ والدسوقي:٧٧/٤.
(٥) انظر: أحكام الوقف لهلال، ص ٢٠ وما بعدها.
(٦) جاء في كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للعلامة الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي حفظه الله ما نصه: (ويجوز استحسانًا وقف ما جرت العادة بوقفه- استثناء من وقف المنقول مقصودا- كوقف الكتب وأدوات الجنازة ووقف المرجل لتسخين الماء ووقف المَرّ- أي المسحاة التي يحفر بها- والقدوم في الماضي لحفر القبور لتعامل الناس به، وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن) : ٨/ ١٨٥ وما بعدها

<<  <  ج: ص:  >  >>