سبق أن أشرنا إلى أن العالم الإسلامي المعاصر يواجه مشكلات حادة في توفير متطلبات الحياة الكريمة لفئات عديدة من سكانه من علاج لتعليم لإسكان لعمل لغير ذلك. وقلنا: إن توفير تلك المرافق يحتاج أموالاً طائلة، ليس بمقدور الدولة اليوم تأمينها، وليس ذلك من الاهتمامات الأساسية للقطاع الخاص المستغرق في المجال الاقتصادي، وإذن لا يبقى إلا العمل التطوعي الذي يقوم على أكتاف القطاع المدني، وقد يسهم فيه القطاع الاقتصادي.
والأمر في حاجة إلى تحفيز الأفراد والمؤسسات للقيام بتمويل هذه المرافق الضرورية اقتصاديا واجتماعيا، وليس هناك أقوى من الحافز الديني للقيام بهذا البذل المالي دون مقابل مادي مباشر، وقد وفر الإسلام هذا الحافز كأحسن ما يكون التوفير من خلال تشريعاته للصدقات والنفقات الخيرية وللوقف. والمطلوب إثارة هذا الحافز أولاً، وتقديم توعية جيدة عامة وشاملة تخاطب الجميع الخطاب الملائم لكل مخاطب توضح كل جوانب وأبعاد العملية الوقيفة، بدءاً من أهميتها الدينية، ثم أهميتها الاقتصادية والاجتماعية، ثم تبياناً شافيًّا لصيغها وأساليبها ومجالاتها الحيوية التي تخدم المصلحة العامة، ومن ثم تحقق الثواب الجزيل لمن يسهم في ذلك ثانياً، وتقديم الدولة من التشريعات والقوانين والتنظيمات ما يطمئن الأفراد على صحة وسلامة أوقافهم وانصرافها لتأدية أغراضها في ظل حماية كاملة من العبث والعدوان ثالثاً، ومن المهم قيام المؤسسات الأهلية وبعض المؤسسات المالية وكذلك بعض الجهات الحكومية بإنشاء وتكوين صناديق وقفية تخدم المجتمع وتعمل على حل مشكلاته، مثل مشكلة العلاج، ومشكلة التعليم والبحث العلمي، ومشكلة الإسكان، ومشكلة البطالة.. إلخ (١) . وتدعو الأفراد والمؤسسات إلى الوقف فيها. وبذلك تترشد أغراض الواقفين، وتتجه بالفعل ناحية الوجوه الخيرية الحقيقية، بدلاً من التوجه ناحية أغراض ومقاصد رديئة تافهة لا أثر لها في الدين والدنيا، وقد حكم ابن تيمية رحمه الله على وقف مثل هذا بالبطلان (الفتاوى) ، وهو حكم صحيح شرعاً واقتصاداً.
* * *
(١) الأمانة العامة للأوقاف، الكويت (الصناديق الوقفية - النظام العام ولائحته التنفيذية) مطابع الخط، ١٤١٧هـ.