هذه الأسباب وغيرها مما لم يذكر تعتبر من عوامل تفتيت الثروات، وإعادة توزيعها على أكبر عدد ممكن ممن هم أهلها وفي حاجتها.
والوقف وبعض أنواع الوصية منه يعد من أكبر أسباب توزيع الثروات، وإشاعة النفع، والانتفاع به يعتبر من أهم القرب التي يتقرب بها إلى الله تعالى، كما يعتبر الصلة بين استمرار حصول العبد على الأجر والثواب في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
ولهذا وصف بأنه الصدقة الجارية المستمر فضلها وأجرها وعطاؤها في حياة المسلم وبعد وفاته لقوله صلى الله عليه وسلم:((إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)) (١) .
وللوقف في الإسلام أثر كبير في الإنفاق على المرافق العامة والخاصة كالمساجد، والمدارس، والأربطة، والمستشفيات، والمكتبات، وتجهيز الموتى، والإنفاق على دور اليتامى والمعاقين، وتجهيز جيوش القتال في سبيل الله، ووقف الأسلحة، والكتب، والأعيان من ثابت كالعقارات، ومنقول كأدوات المنازل والبناء، وحلي النساء، والدواب، وغير ذلك مما كان له أثر تيسير أحوال العباد، واستمتاع فقراء المسلمين ومساكينهم بما يتمتع به أغنياؤهم من المآكل والمشارب والمساكن وكافة شؤون الحياة.
وحيث أن موضوع هذا البحث هو الأحباس وخصائصها وأنواعها وأحكامها، والأحباس هي الأوقاف، ومن الأوقاف بعض الوصايا، فمن تمام البحث التعرض للفرق بين الوقف والوصية، ولأن التفريق بين الأمور لا يتم إلا بتصور كل أمر، ومدى تميزه واختلافه عن غيره، فقد ظهر لي وجاهة الحديث عن الوقف ومشروعيته والحاجة إليه، وما يتعلق به من أحكام وخصائص، ثم بعد ذلك الحديث عن الوصية بمثل الحديث عن الوقف لتظهر لنا الفوارق بينهما. والله المستعان.
* * *
(١) الحديث: أخرجه البخاري في الأدب المفرد، باب: بر الوالدين بعد موتهما، ص ٣٠؛ وأخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب: وصول ثواب الصدقات للميت. (صحيح مسلم مع شرح النووي: ١١ / ٨٥) .