للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مشروعية الوقف

الوقف ثابتة مشروعيته بالكتاب، والسنة، والإجماع، وعمل الصحابة رضي الله عنهم.

فمن الاستدلال بكتاب الله على مشروعية الوقف عموم قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:٩٢] .

وقوله تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ} [البقرة: ١١٠] .

وفي معنى الوقف الوصية، قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: ١٨٠] .

ومن الاستدلال بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ص: ((إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)) (١) .

وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أصاب عمر بخيبر أرضاً، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أصبت أرضاً ولم أصب مالاً قط أنفس (٢) منه، فكيف تأمرني به؟ فقال: ((إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها)) . فتصدق عمر: أنه لا يباع أصلها، ولا يوهب، ولا يورث، في الفقراء، والقربى، والرقاب، وفي سبيل الله، والضيف، وابن السبيل، ولا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقاً غير متمول فيه.

قال: فحدثت به ابن سيرين فقال: غير متأثل (٣) مالاً (٤) .

وعن إسحاق بن أبي طلحة، أنه سمع أنس بن مالك يقول: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء (٥) ، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس: فلما أنزلت هذه الآية: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: ٩٢] جاء أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن الله تبارك وتعالى يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله، أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بخ (٦) ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين)) ، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه (٧) .


(١) الحديث: أخرجه البخاري في الأدب المفرد، باب: بر الوالدين بعد موتهما، ص ٣٠؛ وأخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب: وصول ثواب الصدقات للميت. (صحيح مسلم مع شرح النووي: ١١ / ٨٥) .
(٢) أنفس: أي أجود. (شرح النووي على مسلم: ١١ / ٨٦) .
(٣) متأثل مالاً: أي غير جامع، يقال: مال مؤثل، ومجد مؤثل. أي مجمع ذو أصل. (النهاية في غريب الحديث والأثر: ١ / ٢٣) .
(٤) الحديث: أخرجه البخاري في كتاب الشروط، باب: الشروط في الوقف. (صحيح البخاري مع فتح الباري: ٥ / ٤١٨) .
(٥) بيرحاء: موضع حائط قبلي المسجد النبوي، يعرف بقصر بني جديلة. (شرح النووي على مسلم: ٧/٨٤) .
(٦) بخ: كلمة تقال إذا أحمد الفعل، وتقال عند الإعجاب. (شرح النووي على مسلم: ٧ / ٨٤) .
(٧) الحديث: أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب: الزكاة على الأقارب. (صحيح البخاري مع فتح الباري: ٣/ ٣٨١) ؛ وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب: فضل النفقة على الأقربين والزوج والأولاد. (صحيح مسلم مع شرح النووي: ٧ / ٨٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>