وهاك بيان حقيقة معاملة الإجارتين بحسب وضعها الأصلي، فنقول وبالله التوفيق:
إذا خرب مكان من المسقفات الموقوفة وتحقق شرعاً عدم وجود غلة بالوقف بعمارته ولم يظهر له راغب يستأجره بإجارة واحدة يعمره من أجرته، وتبين أن إيجاره بالإجارتين أنفع لجهة الوقف، فيصدر الإذن الشرعي بتحويله إلى الإجارتين، ثم يؤخذ من طالب استئجاره نقداً في الحال يقرب قدره من قيمة المكان المؤجر باسم إجارة معجلة، ويرتب عليه مبلغ آخر كل سنة باسم إجارة مؤجلة.
فيصرف المتولي المبلغ الأول على تعمير المكان المؤجر، ثم يسلمه للمستأجر بالإجارتين، على أن يتصرف به بحسب الأحكام المقررة.
فإذا لم يعش المستأجر غير مدة قليلة ومات بلا ولد قبل أن يستوفي المبلغ المعجل؛ فورثته يستردون من جهة الوقف القدر الذي لم يستوف من المبلغ المذكور.. على أن طريقة تخصيص المبلغ السنوي باسم المؤجلة مبنية على غرضين مشروعين:
أحدهما: إعلام الناس وإطلاعهم بأخذ الأجرة من المستأجر آخر كل سنة.
وإعلامهم أيضاً بأن المأجور هو حق الوقف، وبذلك لا يبقى للمتصرف بالإجارتين مجال أن يدعي بسبب مرور الزمن بأن المكان الذي يتصرف به هو ملكه.
ثانيهماً: دفع المستأجر للمتولي في ختام كل سنة الأجرة المؤجلة وتجديد عقد الإجارة بينهما.
- هذا هو المخلص الذي لا يوجد في الإمكان غيره إلا الإجارة الطويلة التي لا يجوزها أئمة الحنفية في الوقف ...
وحفظاً لهذين الأصلين تقرر في الإجارتين بأن المستأجر إذا امتنع عن دفع الإجارة المؤجلة مدة طويلة، فللمتولي أن يفسخ الإجارة ...
هذا وبعد إحداث طريقة الإجارتين وقف بعض الناس مسقفات ومستغلات، وشرط بعضهم في وقفيتها إيجارها على طريقة الإجارتين.
ومنهم لم يرغب هذه الطريقة فنص في وقفيته بأن تؤجر مسقفاته ومستغلاته على طريق الإيجارة الواحدة احترازا من طريق الإجارتين.
فتبين مما قدمناه أن طريقة الإجارتين التي جوزت في وقتها هي عبارة عن معاملة لم يركن إليها إلا للضرورة مقيدة بنوع من الشرط.
وجاء في سبب وقف العمل بهذا العقد: ومعلوم أن أنفع قانون وقاعدة إذا استعملا على غير استقامة فإنه يحصل منهما أشد النتائج ضرراً، كما هو مستفاد من التجربة.. ثم توالت الأزمان وصار بعض الناس يستعملها على غير استقامة فحصل منها نتائج قبيحة مضرة.
ومن ذلك: إن مسقفات معمرة كالخان والحمام المبنيين بالحجارة حولت إلى الإجارتين طلباً لمنافع متوليها وأصحاب السطوة.. مع أنها حين التحويل كانت باقية على ما بناها عليه الواقف، الأمر الذي يخالف القاعدة الفقهية وهي: (تقدر الضرورات بقدرها) ، والقاعدة الأخرى وهي: (ما ثبت على خلاف القياس فغيره لا يقاس عليه) (١) .
* * *
(١) عمر حلمي أفندي، الإتحاف، ص ١٢١.