من نافلة القول بأن الغاية من الوقف إيصال المنفعة إلى الجهات الموقوف عليها وعلى وجه الدوام والاستمرار، ولاشك أنه كلما زاد الريع يزيد في المنفعة.
كما أنه بات مسلماً عند جميع الفقهاء الحفاظ على عين الوقف، لذلك إذا قضت المصلحة أن يوقف نصيب المستفيدين من الوقف إذا احتاج عين الوقف إلى الأجرة، تصرف تلك الأجرة أولاً في انتفاع الوقف.
وبعد استعراضنا الصور التقليدية لاستثمار أموال الأوقاف والتطور الذي طرأ عليها وبخاصة في أواخر عهود السلطنة العثمانية يتبين لنا أنه كلما استحدثت صورة وتبين عدم جدوى ما وصلت إليه عبر التطبيق سرعان ما يفتي العلماء بمنعها، كل ذلك حفاظاً على عين الوقف، ولأن كل تصرف قد يؤول بالضرر على أصل الوقف يبادر فقهاء تلك العصور إلى تحريمها وصرف القضاة والقيمين على الوقف منها.
ولما كانت أساليب استثمار الأموال لا تقف عند حد، كذلك الشأن فالأولى بالقائمين على إدارة الأوقاف الأخذ بها بشرط الحفاظ على عين الوقف.
وأساس ذلك كله أن متولي الوقف بمثابة ولي اليتيم، بل أشد حرصاً، لأن مال اليتيم قد ينفذ بالنفقة، بينما لا يجوز ذلك في مال الوقف ... فولي اليتيم مثلاً له بيع المنقول في نفقة اليتيم، وإذا نفذ المنقول قد يباع العقار وبشروط يرجع إليها في محالها لتوفير النفقة على اليتيم، بينما لا يجوز مطلقاً بيع العقار للصرف على المستحقين ومهما قل ريعه؛ لأن حق الموقوف عليهم إنما هو منفعة العقار في الحقيقة، هذا وإن مال الوقف بمثابة الحر من بني آدم لا يجري عليه الملك.
إن الأوقاف عموماً بها الكثير من عنصر معين؛ هو المال غير السائل ... أي العقارات، ولديها ربما القليل من عنصر آخر وهو النقود السائلة، ولديها القليل أيضاً من العنصر الهام جدًّا وهو العمل ...
ونخلص من ذلك إلى القول: بأن إحدى الخصائص البارزة في الأحوال الوقفية أنها قليلة السيولة ... وهنالك عقبات بل واجتهادات تحول دون تسبيل عقار الوقف.
ويبقى أن نقول: إن الهدف الاقتصادي المباشر لاستثمار أموال الوقف هو توليد دخل نقدي بقدر الإمكان فتتمكن الأوقاف بواسطته من تقديم الخدمات المنتظرة منها للمجتمع ...
وعلى الأوقاف أن تبحث في دائرة مشروعات الحلال فقط التي تولد لها أكبر عائد مالي.