٢ - تعريف الوقف عند الشافعية (في أحد القولين) والحنابلة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية:
الوقف: حبس العين على حكم ملك الله تعالى، والصدقة بالمنفعة على جهة من جهات البر ابتداء وانتهاء.
ومقتضاه أنه متى تم الوقف فليس للواقف ولا لغيره أن يتصرف في العين الموقوفة تصرف الملاك، فلا يبيعها ولا يهبها ولا يرهنها، وإذا مات فلا تنتقل إلى ورثته، بل تصرف منفعتها إلى المستحقين سواء كانوا ورثة للواقف أم غير ورثة، فالوقف يخرج المال الموقوف عن ملك واقفه بعد تمام الوقف، ومعنى هذا أن الوقف عندهم لازم.
٣ - تعريف الوقف عند المالكية:
الوقف: حبس العين عن التصرفات التملكية مع بقائها على ملك الواقف، والتبرع اللازم بريعها على جهة من جهات البر.
فعلى هذا التعريف لا يخرج الموقوف عن ملكية الواقف، ولا يشترط التأبيد، وهو مذهب وسط بين المذهبين السابقين، فإنه متى تم الوقف عندهم: يمنع الواقف عندهم من التصرف في العين الموقوفة، ويلزم بالتصدق بالمنفعة، مع بقاء العين على ملكه، فهو لا يخرج العين الموقوفة عن ملك الواقف بل تبقى على ملكه، كما في مذهب الإمام أبي حنيفة، ولكنه يمنعه من التصرف فيها بالتصرفات الناقلة للملكية، ويلزمه التصدق بمنفعتها، ولا يجوز له الرجوع فيه كما هو مذهب الصاحبين.
مما تقدم نرى أن الحنفية لا يرون لزوم الوقف إلا إذا كان مسجد لأنه حق خالص لله تعالى، أو يحكم بلزومه حاكم (قاض) يعتقد بلزوم الوقف، أو أن يخرج الواقف وقفه مخرج الوصية بأن تكون العبارة التي تصدر عنه بحسب لفظها وقفا، ولكنها بحسب المعنى وصية، وذلك بأن يقول: وقفت أرضي الفلانية بعد موتي على الفقراء، فإذا توفرت فيه شروط الموصي واستوفت الوصية شروطها ولم يرجع عما قاله حتى مات ـ كان الوقف لازما بعد موته على اعتبار أنه وصية.
أما بقية الأئمة فيذهبون إلى لزوم الوقف من وقت انعقاده، لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أصاب أرضا من أراضي خيبر فقال: يا رسول الله! أصبت أرضا بخيبر، لم أصب مالا قط أنفس عندي منه فما تأمرني؟ قال:((إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها)) ، فتصدق بها عمر على ألا تباع ولا توهب ولا تورث في الفقراء وذوي القربى والرقاب والضيف وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول ". (١)