للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خامساً: شروط الوقف:

يشترط التأبيد في الوقف، وذلك بأن يقف على من لا ينقرض كالفقراء، وأجاز المالكية الوقف لأجل معلوم كسنة (١) ، ثم يرجع ملكاً للواقف، وفي هذا توسعة على الناس في عمل الخير.

شروط الواقفين:

المراد بشروط الوقف: ما يليه الواقف في كتابة وقفه بمحض إرادته ليعبر عن رغبته وما يقصده لإنشاء وقفه، والنظام الذي يتبع فيه من حيث الولاية عليه وتوزيع ريعه. فإن كان الشرط صحيحاً؛ وهو كل شرط لا يخل بأصل الوقف ولا بحكمه، ولا يعطل مصالح الوقف أو الموقوف عليهم، ولم يكن فيه مخالفة للشرع، مثل اشتراط أن يبدأ بالصرف من غلة الوقف على عمارته ودفع الرسوم المستحقة عليه، أو اشتراط عزل الناظر إن خان، أو أن تكون النظارة للأرشد فالأرشد من أبنائه وذريته، وحكم هذا الشرط أن يصح الوقف معه ويجب الوفاء به.

وقاعدة (شرط الواقف كنص الشارع) : إنما تتمشى مع الشرط الصحيح، إذ أنه هو الذي يجب العمل به، ولا تجوز مخالفته إلا لضرورة أو مصلحة راجحة، وذلك لأنه يعبر عن إرادة الوقف، وليس فيه مخالفة للشرع، فيعامل معاملة النص في فهم المراد منه، فإذا وجد عرف حمل عليه، وإن لم يوجد عرف؛ فإن وجدت قرينة تعين المراد منه عمل به، ولو خالف ذلك القواعد اللغوية، فإن لم يوجد عرف ولا قرينة اتبع فيه ما يتبع في فهم النصوص، فيجري العام على عمومه، ما لم يوجد ما يخصصه، ويجري المطلق على إطلاقه، ما لم يوجد ما يقيده، ولكن العمل بهذه القاعدة واحترامها إلى أبعد حد ترتب عليه مضار كبيرة عندما طبقت على الشروط التعسفية التي كان يشرطها الواقفون للمنع والحرمان.

وهناك حالتان تجوز فيهما مخالفة شرط الواقف:

الأولى: إذا كانت مخالفة الشرط لا تفوت غرض الواقف، كما إذا شرط: أن يشتري من ريع وقفه كل يوم طعاماً معيناً يوزع على طلبة مدرسة كذا، واختار الطلبة أن يصرف لهم يوميا ثمن هذا الطعام، جاز لـ ناظر الوقف أن يجيبهم إلى ذلك لأن المخالفة لا تفوت غرض الواقف حيث إنه ما قصد إلا مساعدتهم على طلب العلم، بل قد يكون دفع الثمن أنفع لهم.

الثانية: إذا أصبح العمل بهذه الشروط مؤثرًا في منفعة الوقف أو الموقوف عليهم بعد أن تغيرت الظروف، كما إذا اشترط الواقف أن يعطي مرتبات معينة لموظفي مدرسة خاصة، أو مسجد معين، ثم تغيرت ظروف المعيشة بحلول الغلاء فأصبحت هذه المرتبات غير كافية لأصحابها، وإن المصلحة في زيادتها، فإنه تجوز مخالفة شرط الواقف، ولكن بإذن القاضي، لأنه هو الذي يقدر الظروف وتغيرها، ومن ذلك تغيير رسم بناء الوقف عند إعادة بنائه، لكون تغيير رسمه يزيد من غلات الوقف، لكن بإذن القاضي أيضا.


(١) الفقه الإسلامي وأدلته: ٨/ ٢٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>