للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منشأ الخلاف في المسألة:

الظاهر أن منشأ الخلاف بين الإمامية وغيرهم في المسألة- مع غض النظر عن الأدلة الخاصة في المقام- هو ذهاب الإمامية إلى عدم وجوب الزكاة إلا في الأعيان المخصوصة أي الأنعام الثلاث والغلات الأربع والنقدين، وذهاب الآخرين إلى كون متعلق الزكاة أعم من الأعيان المذكورة ومال التجارة.

وذلك لأن الأعيان المخصوصة ظاهرة أو منصرفة إلى الأموال الخارجية الجزئية دون الذمية الكلية، فإن شمول لفظ الحنطة مثلا متعلق للزكاة للحنطة الذمية التي ليس لها وجود إلا في الاعتبار يحتاج إلى العناية الخاصة فلا يشملها لفظ الحنطة عند الإطلاق، وكذلك لفظ الذهب والفضة وغيرهما من العناوين المتعلقة للزكاة. وعلى هذا إطلاقات أدلة الزكاة لا تشمل الدين لأن الدين لا يكون إلا مالا كليا في الذمة.

أما القائلون بوجوب الزكاة في مال التجارة فيمكنهم تصوير تعلق الزكاة بالدين، إذا كان الدين عروض التجارة، لأن مال التجارة يشمل الأموال الذمية كشموله للأموال الخارجية، فإن الملحوظ فيه المالية والثمن، فيشمل المال الخارجي والذمي على حد سواء، ويؤيد هذا المعنى اشتراط القائلين بوجوب الزكاة في الدين كونه من نوع الدراهم أو الدنانير أو عروض التجارة كما مرت الإشارة إليه في بيان مذهب الشافعية والمالكية والحنفية، نعم يبقى الإشكال في الدين الغير المتعلق بالتجارة على القول بوجوب الزكاة فيه أيضا إلا أن يقال بأن المتفاهم العرفي من الأدلة بعد القول بثبوت الزكاة في مال التجارة وعدم اختصاصها بالأعيان المخصوصة هو كون متعلق الزكاة دائما في مال التجارة، وغيرها هو المالية وعليه يكون شاملا للمال الذمي حتى في غير مال التجارة (١) .

ومما أثر في القول بوجوب الزكاة في بعض أقسام الدين القول ببقاء القرض على ملك صاحبه أي المقرض، حيث ذهب بعض فقهاء المذاهب إلى عدم انتقال ملكية المال المأخوذة بالقرض من المقرض إلى المقترض مادام المال باقيا، أي لا ينتقل ملكيته إلى المقترض، فعلى هذا يكون القول بوجوب زكاته بعد حولان الحول على المقرض (الدائن) على القاعدة، لأنه حينئذ مال خارجي للدائن قد حال عليه الحول عند شخص آخر، أما بناء على القول بكون عقد القرض موجبا لانتقال ملكية من المقرض إلى المقترض كما عليه الإمامية فإن زكاته تجب على المقترض دون المقرض لأنه ماله فيجب عليه زكاته.


(١) يراجع الينابيع الفقهية؛ الزكاة، الانتصار، ص ٧٧، لعل السيد المرتضى في الانتصار يشير إلى ثبوت هذا المعنى عندهم

<<  <  ج: ص:  >  >>