للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويستخلص من النصوص الفقهية السابقة أن الضابط عند جمهور الفقهاء في هذا الباب هو أن الحالات التي يسقى فيها الزرع بلا كلفة، كماء السماء أو السيح- أي الماء الجاري على وجه الأرض- أو فيضان الأنهار ونحوها، ففيها العشر، أما ما سقي باستخدام آلات ثقيلة تتطلب مؤنة ومشقة فادحة، ففي هذه الحالة الواجب هو نصف العشر، قال ابن العربي: (وما تجحف مؤنته فيؤخذ منه نصف العشر) (١)

(وعن ابن جريج قال: قال لي عطاء: كل شيء لا يتعنى بسقيه ففيه العشر، وكل شيء يتعنى بسقيه بالدلو ففيه نصف العشر) (٢) .

ثم قبل بيان وجهة النظر حول المسائل المطروحة للبحث لا بد من معرفة موقف الفقهاء حيال النقطة الرئيسية البارزة المتعلقة بحسم نفقات الزراعة من المحصول قبل إخراج زكاته بصورة مجملة، لكي يكون السير على خطاهم، ويظهر التكييف الفقهي سليما بقدر ما أمكن حسب اجتهادات الأولين، فبيان ذلك كما يأتي:

اختلف الفقهاء في حسم المؤنة التي تتكلفها الزروع والثمار التي تجب فيها الزكاة في ثلاثة أقوال، على النحو الآتي:

(القول الأول: قول جمهور أهل العلم. وهو يتمثل في عدم جواز طرح التكلفة المترتبة على الزراعة، وهذا واضح من نصوص الحنفية وعبارة ابن حزم صراحة، ومستفاد من كلام أئمة المذاهب الثلاثة الأخرى دلالة، إذ قد أوجبوا على صاحب الزرع أن يزكي حبا مصفى من المحصول، ومؤنة تصفيته عليه، كما يتجلى ذلك مما يأتي:

- ذهب الحنفية إلى وجوب إخراج زكاة الزرع بلا رفع مؤنة من أجرة العمال ونفقة البقر، وكري الأنهار وأجرة الحارس، وبلا طرح قيمة البذر، ونحو ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بتفاوت الواجب لتفاوت المؤنة.


(١) عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي: ٣/ ١٣٩
(٢) مصنف عبد الرزاق: ٤/ ١٣٥

<<  <  ج: ص:  >  >>