وتجدر الإشارة هنا إلى أن: تحقيق المناط ليس من المسالك، بل هو دليل تثبت به الأحكام، فلا خلاف في وجوب العمل به بين الأمة، وإليه يحتاج في كل شريعة. قال أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله:"لابد من الاجتهاد فيه في كل زمن، ولا ينقطع؛ إذ لا يمكن التكليف إلا به ومنه".
وقال القرافي في شرح التنقيح في تعريفه ما نصه:"وأما تحقيق المناط فهو تحقيق العلة المتفق عليها في الفرع".
مثاله: أن يتفق على أن العلة في الربا (يعنى في البر والشعير) هي القوت الغالب ويختلف في الربا في التين، بناء على أنه يقتات به غالبا في الأندلس أو لا، نظرا إلى الحجاز وغيره، فهذا هو تحقيق المناط، ينظر هل هو محقق أم لا بعد الاتفاق عليه. ومثله في البيضاوي.
وعرفه الآمدي في الإحكام بأنه النظر في معرفة وجود علة الحكم ومناطه في آحاد الصور بعد معرفتها في نفسها. ومثل له بالنظر في وجود علة تحريم الخمر، وهي الشدة المطربة في النبيذ.
وسلك الإمام الغزالي في تعريفه طريقا آخر ترجع إلى الاجتهاد في تطبيق حكم كلي منصوص عليه في بعض جزئياته، فقال في كتابه المستصفى ما نصه: "أما الاجتهادي في تحقيق مناط الحكم فلا نعرف خلافا بين الأمة في جوازه، مثاله: الاجتهاد في تعيين الإمام بالاجتهاد مع قدرة الشارع على تعيين الإمام الأول بالنص، وكذا تعيين الولاة والقضاة، وكذلك في تقدير المقدرات وتقدير الكفايات في نفقة القرابات وإيجاد المثل في قيم المتلفات، وأروش الجنايات وطلب المثل في جزاء الصيد، فإن مناط الحكم في نفقة القريب الكفاية، وذلك معلوم بالنص، أما أن الرطل كفاية لهذا الشخص أم لا فيدرك بالاجتهاد والتخمين.
فتحصل من مراجعة كتب المالكية والعلل التي أشاروا إليها والقواعد التي قعدوها في المسألة قيام ثلاثة أقول: