وبعد، فإن تفصيل الرهوني جيد، إلا أنه لم يحدد النسبة التي إذا وصل إليها الرخص رجع بها الدائن على المدين، سواء كان دين قرض يقصد به المعروف والإحسان أو دين بيع تتوخى فيه المكايسة والربح، ونحن نقترح للبحث نسبة الثلث قياسا له على الجائحة في الثمار؛ لأن الجائحة أمر خارج عن إرادة المتعاقدين، وليست من فعل أحد حتى يرجع عليه البائع أن شاء. أما ما كان بفعل آدمي فقال القاضي: المشتري بالخيار بين فسخ العقد ومطالبة البائع بالثمن، وبين البقاء عليه ومطالبة الجاني بالقيمة، وهنا لا يوجد شخص معين مسئول حتى يقيم عليه المتضرر دعوى، فالحكمة في الجائحة أنه لما كان الناس لابد لهم من بيع ثمارهم أَمَرَ الشارع برد الجائحة.
ففى الحديث ((إن بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا، لم تأخذ مال أخيك بغير حق؟)) ، رواه مسلم في صحيحه وابن ماجه وأحمد، يدل على أن العلة في وضع الجائحة هو أخذ المال بغير حق، وهو إيماء إلى العلة، وذهب إلى اعتبار الجائحة في الجملة أحمد ومالك وأكثر أهل المدينة، وبه قال الشافعي في القديم،، وقد رد الاستشهاد بالحديث الذي تمسك به الشافعي في الجديد وأبو حنيفة.
وقال مالك: إن الجائحة تكون في ضمان البائع إذا وصلت إلى الثلث فما فوق، وهي رواية عن أحمد.