للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما البنك فالشأن فيه الاستمرار، ومع هذا فلا يصدر منه هذا التعهد بل يُنص في شروط الحساب على عكسه، وهو أنه يحق له في أي وقت إغلاق الحساب بدون بيان السبب، وبذلك يكون الوعد ملزمًا من طرف واحد ولا تحصل المواعدة الملزمة المنصوص في قرارات المجمع على منعها. (١) ومع هذا فإن إدارات المؤسسات المالية الإسلامية تستجيب غالبًا لطلب صاحب الحساب بإنهاء المضاربة لظروف طارئة عليه، وهذا رجوع إلى الأصل، أو هو فسخ اتفاقي رضائي وهو قائم حتى في العقود اللازمة.

وإعطاء صفة اللزوم للتعهد بعدم الفسخ للمضاربة بالنسبة لصاحب الحساب هو من قبيل الوعد اللازم، لأن الواعد (صاحب الحساب) أدخل الموعود (المؤسسة) في أمر لم تكن لتدخل فيه لولا الوعد وهو استثمار المال طيلة المدة المحددة، فلو علمت المؤسسة أن المضاربة يمكن فسخها خلال تلك المدة لما دخلت في استثمار لتلك المدة، ولما كان للتوقيت كبير جدوى، إذ الفائدة المرجوة إنما تحصل من الجمع بين التوقيت واللزوم خلاله.

والكلام عن لزوم المضاربة إلى مدة معينة، أو توقيت المضاربة إلى مدة معينة، مبني على أن الأصل في المضاربة عدم اللزوم.

قال ابن رشد (الحفيد) : (أجمع العلماء على أن اللزوم ليس من موجبات عقد القراض، وأن لكل واحد منهما فسخه ما لم يشرع العامل في القراض. واختلفوا إذا شرع العامل، فقال مالك: هو لازم وهو عقد يورث، فإن مات وكان للمقارض بنون أمناء كانوا في القراض مثل أبيهم، وإن لم يكونوا أمناء كان لهم أن يأتوا بأمين، وقال النخعي وأبو حنيفة: لكل واحد منهم الفسخ إذا شاء، وليس هو عقد يورث؛ فمالك ألزمه بعد الشروع في العمل لما فيه من ضرر، ورآه من العقود المورثة

، والفرقة الثانية شبهت الشروع في العمل بما بعد الشروع في العمل) (٢)

أما توقيت المضاربة بزمن معين فيرى الحنفية والحنابلة في المذهب صحته، لأن المضاربة تصرف يقبل التقييد بنوع من المتاع فجاز تقييده بالوقت. وهي توكيل فيحتمل التخصيص. (٣)

وذهب المالكية والشافعية والحنابلة في إحدى الروايتين إلى أن المضاربة تفسد بالتوقيت، لإخلاله بمقصودها وهو الربح، فقد لا يتحقق في المدة المؤقتة.

وللشافعية تفصيل جيد وهو أنه: (لو ذكر مدة ومنعه التصرف بعدها فسد (العقد) ، وإن منعه الشراء بعدها فلا يفسد في الأصح، لحصول الاسترباح بالبيع الذي له فعله بعد المدة) (٤)


(١) انظر: قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي، القرار رقم ٤٠ و ٤١ بشأن الوفاء بالوعد.
(٢) بداية المجتهد: ٢/ ٢٤٠
(٣) فتح القدير (التكملة) : ٧/ ٦٧؛ البدائع: ٦/ ٩٩؛ ابن عابدين: ٤/ ٥٠٨ وفي مجمع الضمانات (٣٠٥) : (ولو وقت للمضاربة وقتًا بعينه يبطل العقد بمضيه، لأنه توكيل فيتوقف بما وقته) .
(٤) الموسوعة الفقهية: ٣٨/ ٦٥ نقلًا عن الشرح الصغير للدرير: ٣/ ٦٨٧؛ ومغني المحتاج ٢/ ٣١٢، والإنصاف ٥/ ٤٣٠ وغيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>