والمضاربة من أهم طرق استثمار المال قديما وحديثًا، وقد كثرت الحاجة إليها وبرزت أكثر ـ على أنها أفضل طرق الاستثمار ـ حديثًا بعد ظهور المؤسسات المالية الإسلامية التي ملأت الساحة في العالم كله، الإسلامي والعربي والأجنبي، وأثبتت قدرتها على مضاهاة المؤسسات الربوية، وتفوقها عليها، بعد ما كاد يعم بين الناس أن الربا هو الحل الوحيد لمشكلات الاستثمار المالي.
إلا أن المضاربة التي ظهرت على الساحة حديثًا فيها بعض المخالفات للمضاربة التي عرفها الفقهاء قديمًا وأثبتوا شرعيتها على خلاف القياس، في كثير من أنواعها، وبالتالي آثارها أيضًا.
فقد كانت المضاربة تنشأ غالبًا بين شخصين، الأول: صاحب المال، ويسمى (رب المال) والثاني: العامل، وهو (المضارب) أما الآن فقد أصبح يقوم بالمضاربة مؤسسات مالية شامخة، تتألف من العديد من الشركات، والكثير من الموظفين، فتقوم بقبول الودائع من كثير من أرباب الأموال ـ الذين لا يستطيعون إدارة أموالهم بأنفسهم ـ بقصد استثمارها لهم، على أسس إسلامية، ومشاركتهم في أرباحها، بطريق المضاربة مع تجار أو أصحاب مهن أو مزارعين، أو بطريق التجارة المباشرة، أو غير ذلك من المعاملات الإسلامية، مما أطلق عليه المضاربة الجماعية أو المضاربة المشتركة.
وقد اقتضى هذا التغيير في أنواع المضاربة وأطرافها إدخال بعض التغيرات في آثارها وأحكامها، وهذا كله يحتاج إلى دراسة وتأصيل وتخريج على قواعد الفقهاء التي وضعوها للمضاربة الفردية، مستهدين في ذلك بنصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة، والقواعد الفقهية الكلية التي تحكم المعاوضات بعامة، والمشاركات منها بخاصة.