وقد قام العديد من الفقهاء المعاصرين بدراسات قيمة في هذا النطاق، وقدموا أفكارًا ودراسات قيمة فيه، إلا أن الباب لا زال مفتوحًا لإتمام الدراسة، لأنها لم تتم بعد، ولا زالت هنالك عقبات ينبغي أن تذلل، وأمور ينبغي أن تبحث ويبحث لها عن مخارج في نصوص القرآن والسنة وأقوال الفقهاء وقواعدهم، وهذا البحث حلقة في سلسلة هذا النطاق، ولا أدعي أنه خاتمة المطاف، وأنه جاء بكل الحلول المطلوبة، أو أنهى كل المشكلات التي تعترض الباحثين، ولكنه خطوة في هذه الدراسات، وسوف تتبعها حلقات أخرى إن شاء الله تعالى، حتى ينضج البحث، وتتضح معالم المضاربة الجماعية أو المشتركة، وتتبدى للجميع ظاهرة التخريج على ما أجمع عليه الفقهاء، أو ما انتهى إليه عامتهم، أو أصحاب المذاهب المعتمدة منهم، أو واحد على الأقل منهم ممن يجيز الجميع تقليده والأخذ برأيه لعلمه وتقواه من الأئمة الأعلام.
ولا يخفى أن الأمر صعب، والمرتقى فيه وعر، لكثرة الاختلافات فيه، وتعدد الشبهات، مما يصعب أو يبعد معه الوصول إلى إجماع أو اتفاق، ولهذا فإن بحوث جميع المعاصرين كانت تجري على محاولات التوفيق والتلفيق بين آراء الفقهاء، وهو وإن كان منهجًا غير مقبول في أمور العبادة أو المعاملات الفردية، إلا أنه المنهج الوحيد المتاح في هذا الأمر الجماعي، الذي كثرت الحاجة إليه في العصر الحاضر، حتى عد إغلاقه معنتًا وملحقًا حرجًا كبيرًا بالمسلمين سواء كانوا أرباب أموال أو عمالًا، والله سبحانه وتعالى يقول:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج: ٧٨] وهو المنهج الذي سوف أسير عليه في بحثي هذا، مستلهمًا من الله تعالى التسديد والمعونة.
وإنني سوف أعرض أولًا تعريف المضاربة الفردية، وشروطها وأركانها وأحكامها، كما عرضها الفقهاء بإجمال مع بيان مواضع الاتفاق والاختلاف بينهم في ذلك ثم أعرض تعريف المضاربة الجماعية أو المشتركة، وأنواعها ثم أبين أهم الفروق التي بين هذين النوعين من المضاربة، ثم أحاول بيان مدى تأثير هذه الفروق على صحة المضاربة المشتركة، بحسب قواعد الفقهاء ونصوصهم قدر الإمكان، مستفيدًا من نقاط الاتفاق والاختلاف بينهم في المضاربة الفردية، ومحاولًا التلفيق بين هذه المذاهب والأقوال قدر الإمكان، تحقيقًا لمصلحة تصحيح هذه المضاربة الجماعية أو المشتركة شرعًا قدر الإمكان، تيسيرًا على المسلمين في معاملاتهم، وأرجو من الله تعالى التوفيق والسداد.
ويسعدني أن بحثي هذا معروض أمام نخبة من فقهاء المسلمين، لتسديده أو تصحيحه أو إقراره، وفي ذلك الخير الوفير للمسلمين، والتسهيل عليهم في أمورهم ومعاملاتهم.
والله تعالى من وراء القصد وهو المستعان، وهو أجل وأعلم.