اتفق الفقهاء على مشروعية المضاربة أو القراض، وعامتهم على أنها مشروعة استحسانًا على خلاف القياس كما تقدمت الإشارة إليه، وأن مشروعيتها مستندة إلى السنة القولية والتقريرية والإجماع والمصلحة الحاجية أو الضرورية.
وهناك إشارات في القرآن الكريم إلى مشروعيتها من غير نص، من ذلك قوله تعالى:{وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}[المزمل: ٢٠] .
وأما السنة القولية: فما رواه البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما: (من أنه كان إذا دفع مالًا مضاربة اشترط على صاحبه ألا يسلك به بحرًا، ولا ينزل به واديًا، ولا يشتري به ذات كبد رطبة فإن فعل فهو ضامن، فرفع شرطه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجازه)(١) .
وأما السنة العملية، فهي ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث والناس يتعاملون بالمضاربة فلم ينكر عليهم، فكان ذلك تقريرًا منه صلى الله عليه وسلم لمشروعيتها.
وأما الإجماع، فهو ما روي عن عدد من الصحابة أنهم دفعوا مال اليتيم مضاربة، منهم عمر وعثمان وعلي وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبيد الله بن عمر وعائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهم، ولم ينقل عن أحد من أقرانهم أنه أنكر عليهم ذلك، ومثله يكون إجماعًا، وعليه تعامل الناس من زمن الصحابة إلى يومنا هذا من غير نكير.
وأما المصلحة، فلأن كثيرًا من أصحاب الأموال لا يعرفون طرق استثمارها، ولأن كثيرًا من الخبراء في ذلك لا أموال عندهم، والمصلحة تقتضي مشاركة الطرفين، وهي مصلحة ضرورية لدى البعض وحاجية في نظير غيرهم.
وكل ذلك استحسان يترك به القياس.
أطراف المضاربة:
أطراف المضاربة باتفاق الفقهاء هم: رب المال والمضارب، ورأس مال المضاربة، وعمل المضارب، والربح الذي يتحقق فيها، وصيغة المضاربة، وقد عد أكثر الفقهاء هذه الأطراف كلها أركانًا للمضاربة، وعدَّ الحنفية الصيغة وحدها الركن، والباقي أطرافًا، وهذا الاختلاف اصطلاحي شكلي لا يمس جوهر الموضوع.