وسوف أقوم بدراسة كل اتجاه باختصار، موجهًا النظر إلى ما له وما عليه، بحسب الأدلة والقرائن، ثم أبين الراجح عندي منها.
فالاتجاه الثاني ـ كما تقدم ـ يذهب إلى أن العلاقة في المضاربة المشتركة بين أرباب الأموال والمؤسسة الاستثمارية الإسلامية هي علاقة شركة عنان، حيث يدفع أرباب الأموال للشركة أموالهم، وهي تقوم بضمها إلى أموالها، ويكون الربح بينهما بنسبة شائعة يتفقان عليها، وهذا كله من علامات شركة العنان، فتكون على ذلك مشروعة مثلها، وتطبق فيها أحكامها.
إلا أنني أرى أن هنالك أمورًا في المضاربة المشتركة تحول دون صحة قياسها على شركة العنان، وإلحاقها بها في الأحكام، ذلك أن شركة العنان يجب فيها تبيين مقدار كل من مالي الشريكين أو أموال الشركاء جميعًا، عند خلط هذه الأموال بعضها ببعض، وهنا يستحيل ذلك، لأن أموال أرباب الأموال يودعونها في هذه المضاربة المشتركة على التتابع، ولا يمكن للمؤسسة الإسلامية أن تتبين مقدار مالها وأموال أرباب الأموال المودعة لديها سابقًا عند كل إيداع، وهذا الأمر يمنع صحة الشركة في هذه الحال، وبالتالي فلا يمكن قياس أو إلحاق المضاربة المشتركة بـ شركة العنان في التعريف والإباحة والأحكام.
والاتجاه الثالث ينحو نحو عد المضاربة المشتركة ضربًا من الإجارة، فيكون أرباب الأموال مستأجرين، وتكون المؤسسة الإسلامية أجيرًا مشتركًا، ويكون الربح كله لأرباب الأموال، وللمؤسسة الإسلامية، أجرتها، والإجارة مشروعة باتفاق الفقهاء، فتكون المضاربة المشتركة مشروعة أيضًا قياسًا عليها.
إلا أنني أرى أن في المضاربة المشتركة القائمة الآن في المؤسسات الإسلامية ما لا يتفق مع مبدأ الإجارة المشتركة أو الفردية، لأن الإجارة تقتضي أن يكون الربح كله لأرباب الأموال، ويكون للمؤسسة الإسلامية مقدار معين من الأجر، سواء ربحت التجارة أو لم تربح أو خسرت، وهذا ما لا يتفق مع حال المضاربة المشتركة، ولا يمكن أن يرضي به أرباب الأموال فيها.
وأما الاتجاه الأول فإنه ينحو إلى قياس المضاربة المشتركة بحسب خطواتها السابقة على المضاربة الفردية التي اتفق الفقهاء على صحتها ومشروعيتها.