للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أنني أرى أن هنالك فوارق بين المضاربة المشتركة والمضاربة الفردية يمكن أن تحول جواز قياسها عليها، وإلحاقها بها في الإباحة والأحكام.

أهم هذه الفوارق:

إن المضاربة الفردية تكون بين فردين، هما رب المال والعامل، والثانية بين فرد واحد هو المؤسسة الإسلامية باعتبارها شخصية اعتبارية واحدة، وبين أرباب الأموال، وهم متعددون.

إلا أن هذا الفارق غير مؤثر في نظري، لأن بعض فقهائنا أجازوا للعامل في المضاربة الفردية أن يضارب لأكثر من رب مال واحد، مع الخلط بين أموالهم، بل وبين مالهم وماله هو، ولكن أكثرهم اشترط لذلك شروطًا.

الأول: أن يكون ذلك برضا رب المال الأول، وهذا الشرط متوفر في المضاربة المشتركة، لأن أي رب مال يضع ماله في المؤسسة الإسلامية يعلم أن هذه المؤسسة تقبل المال منه ومن غيره أيضًا، ولا يمانع في ذلك، فلا يكون ذلك فارقًا بين النوعين، ولا تأثير له على مشروعية المضاربة المشتركة.

الثاني: أن يكون ذلك قبل أن يعمل المضارب في المال الأول، جاء في الشرح الكبير ما نصه: (وجاز للعامل خلطه من غير شرط، وإلا فسد كما مر، وإن كان الخلط بماله إن كان مثليًا وفيه مصلحة لأحد أصحاب المالين غير متيقنة، وكان الخلط قبل شغل أحدهما، فيمنع خلط مقوم أو بعد شغل أحدهما وتعين لمصلحة متيقنة) (١) ، وهذا الفارق يشكل مشكلة شائكة، وفارقًا كبيرًا بين النوعين من المضاربة، لأن المؤسسات الإسلامية تخلط أموال أرباب الأموال بعضها مع بعض، كما تخلط أموال هؤلاء وأموالها هي، قبل العمل في المال الأول وبعده، وهو ما يستحق الوقوف الطويل.

الثالث: ألا يكون في هذا العمل إضرار برب المال الأول، قال ابن قدامة: (إذا ضارب لرجل لم يجز أن يضارب لآخر إذا كان فيه ضرر على الأول. . . وقال أكثر الفقهاء: يجوز) (٢) . وهذا الشرط متوفر في المضاربة المشتركة، حيث إنه لا ضرر على أحد من الشركاء في خلط أموالهم، بل المصلحة في ذلك لهم، لأن تنمية المال الكثير تعود عادة بمردود ربحي أكبر من تنمية الأموال القليلة.


(١) الشرح الكبير: ٣/ ٥٢٢ ـ ٥٢٣.
(٢) المغني: ٥/ ٥١ ـ ٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>