وعليه فإنني أرى أن التكييف الأوضح والأوفق للمضاربة المشتركة أو الجماعية هو قياسها وإلحاقها بالمضاربة الفردية، وعدها فرعًا من فروعها، ولا يوجد في ذلك أي مشكلة كما قدمت، سوى موضوع خلط المضارب أموال المضاربين بعضها مع بعض أو خلطها بماله، برضا أصحاب الأموال، فإنه فيه مشكلة، ذلك أن الفقهاء منعوا من الخلط إذا تم بعد عمل المضارب في المال الأول، وهو ما يتم في المضاربة المشتركة، بل هو من ضروراتها، ولو رجعنا إلى تعليل الفقهاء للمنع من ذلك، لوجدناه يتجلى فيما يترتب عليه من الجهالة في الربح، حيث إن المال الأول قد يربح دون الثاني، أو يربح الأول ويخسر الثاني، أو يربحان أو يخسران معًا، ولكن بنسب متفاوتة ومتغايرة، لأن المضارب (المؤسسة الإسلامية) قد يتسلم المال من الأول، ويعمل فيه، وقبل أن يعلم أنه ربح أو خسر (لأن ذلك لا يعرف إلا بالتنضيض) يتسلم المال من الثاني، ويعمل فيه مع المال الأول مضمومًا إليه، ثم تأتي الحصيلة ربحًا أو خسارة، ولا تدري المؤسسة كم حصة المال الأول منها قبل أن يخلط به غيره.
إلا أن هذه الجهالة في نظري أصبحت بعد تقدم نظم المحاسبة، ودقة عمل المؤسسات الإسلامية، جهالة يسيرة، والجهالة اليسيرة مغتفرة في المعاملات عامة، من ذلك ما لو باع رجل آخر سلعة بثمن مؤجل، فإن أجله إلى أجل محدد جاز، وإن أجله إلى أجل مجهول فسد البيع، ولقد بحث الفقهاء في هذه الجهالة، وقالوا: الجهالة المفسدة هي الجهالة الفاحشة، أما الجهالة القليلة فمغتفرة، مثل أن يؤجله إلى يوم كذا دون أن يحدد الساعة، لأن الجهالة في عدم تحديد الساعة جهالة يسيرة مغتفرة في العرف، ومتسامح بها، فلا تؤثر في صحة العقد، ويعبر البعض عن هذا المعنى بالمبارأة أو المسامحة.