للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والآن أعود لأناقش أهم المشكلات التي تواجه المضاربة المشتركة، على ضوء نصوص الفقهاء المعتبرين، والقواعد الشرعية العامة في هذا النوع من المعاملة، وذلك بعدما بينت أن أقرب التكييفات الفقهية للمضاربة المشتركة أو الجماعية قياسها على المضاربة الفردية، التي اتفق الفقهاء على إباحتها ومشروعيتها، وبينت أنه لا مشكلة حقيقية في هذا القياس، بعد أن رأيت أن الجهالة فيها غير مؤثرة، لأنها يسيرة، ويتسامح الناس فيها غالبًا.

وأهم هذه النقاط، ما يلي

١- لزوم المضاربة المشتركة إلى مدة معينة:

فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن المضاربة من العقود الجائزة غير اللازمة، قال العمراني: (القراض من العقود الجائزة، لكل واحد منهما أن يفسخه متى شاء) (١) . وقال ابن قدامة: (والمضاربة من العقود الجائزة، تنفسخ بفسخ أحدهما أيهما كان، وبموته، وجنونه، والحجر عليه لسفه) (٢) . وقال الحصكفي: (وتبطل المضاربة بموت أحدهما. . . وينعزل بعزله لأنه وكيل إن علم به. .) (٣) .

وعليه، فإن لكل من المضارب ورب المال أن يطلب إنهاءها في أي وقت، فإذا طلب العامل المضارب إنهاءها وجب على رب المال قبول ذلك، وكذلك إذا طلب رب المال إنهاءها وجب على المضارب الاستجابة لذلك، لكن إن كان المال ناضًّا عند الطلب فلا إشكال في ذلك، وإن كان غير ناض أعطي العامل مهلة مناسبة لتنضيضه، وليس له أن يشتري بالناض منه بعد طلب الإنهاء.

وخالف المالكية في ذلك، ورأوا أن المضاربة لا تحل إلا إذا اتفق الطرفان على حلها، أو قضى قاضٍ بذلك وفقًا للمصلحة، قال الدردير: (وإن استنضه أي كل منهما على سبيل البدلية أي طلب رب المال دون العامل أو عكسه نضوضه، فالحاكم ينظر في الأصلح من تعجيل أو تأخير، فإن اتفقا على نضوضه جاز. . . فإن لم يكن حاكم شرعي فجماعة المسلمين، ويكفي منهم اثنان فيما يظهر) (٤) .

ولعل مذهب المالكية هنا هو الأوفق لمصلحة المضاربة المشتركة، حيث يصعب أو يستحيل إنهاؤها بناء على طلب أي من أرباب الأموال ذلك.


(١) البيان: ٧/ ١٩٧.
(٢) المغني: ٥/ ٦٤.
(٣) الدر المختار في هامش حاشية رد المحتار عليه: ٤/ ٤٨٩.
(٤) الشرح الكبير في هامش حاشية الدسوق عليه: ٣/ ٥٣٥ ـ ٥٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>