للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - الاسترداد:

يعني الاسترداد في حقيقته سحب صاحب المال وديعته من المؤسسة المالية الاستثمارية الإسلامية في الوقت المحدد لوديعته ـ إن كانت مؤقتة ـ، وهذا الأمر لا إشكال فيه شرعًا، سواء عند من يقول بجواز التوقيت أو عدم جوازه، فأما القائلون بالتوقيت فلأن وقت الوديعة قد انتهى فلا إشكال في سحبها، وأما غير القائلين بالتوقيت فلأن المضاربة عندهم غير لازمة ويجوز استرداد رأس المال منها في أي وقت.

إنما هنالك مسألة بسيطة ينبغي الوقوف عندها قليلًا، وهي مسألة عدم نضوض المال عند السحب، فإن الجميع متفقون على أن صاحب المال إذا طلبه والمال غير ناض فإنه ينظر مدة معينة مناسبة وجوبًا إلى أن ينض المال، إلا أن جميع الفقهاء متفقون أيضًا - فيما أظن - على أن العامل إذا اتفق مع رب المال على تقويم المال غير الناض ودفع قيمته إليه برضاه فإنه يجوز، ولا أظن أن الأمر في كثير من المؤسسات الإسلامية يجري إلا على وفق ذلك، فلا يكون في الأمر مشكلة لذلك.

إلا أن بعض المؤسسات المالية الاستثمارية الإسلامية تتعهد لصاحب المال بأن ترده إليه أو تشتريه منه بمبلغ محدد سلفًا، وهذا في نظري غير جائز شرعًا، لأنه صرف ولا يجوز التفاضل في الصرف ما دام البدلان من جنس واحد، إلا أن نعده وعدًا غير ملزم للواعد، فلا يكون فيه إشكال شرعي.

٤- توزيع الربح بطريقة النمر:

يراد بهذا المصطلح أن توزع حصة أرباب الأموال من الأرباب ـ عند تحققها ـ بين أرباب الأموال المودعين لدى المؤسسة الإسلامية الاستثمارية بحسب مقدار رأس مال كل منهم مضروبًا في المدة التي بقي رأس مالهم فيها لدى المؤسسة الإسلامية، كأن يودع أحدهم لدى المؤسسة ألفًا لمدة شهر، وآخر ألفين لمدة شهرين مثلًا، ويكون الربح خمسمائة فإن الأول ـ بموجب مبدأ التوزيع بالنمر ـ يستحق مائة، والثاني يستحق أربعمائة، حيث تجعل الألف الواحدة من رأس المال نمرة، والشهر الواحد من الزمن نمرة، فيستحق الأول (١× ١= ١) ، ويستحق الثاني (٢× ٢= ٤) ، ثم تجمع نمر الأول مع نمر الثاني (١+ ٤= ٥) ثم يقسم الربح على مجموع النمر (٥٠٠ ÷ ٥= ١٠٠) ، فتكون حصة النمرة الواحدة (١٠٠) ، ثم تضرب نمر الأول بحصة النمرة الواحدة (١× ١٠٠= ١٠٠) ، وتضرب نمر الثاني بقيمة النمرة الواحدة (٤× ١٠٠= ٤٠٠) . وهكذا.

هذا هو المبدأ الذي تمشي عليه عامة المؤسسات الإسلامية، وفيه جهالة دون شك، وهذه الجهالة ينبغي أن تكون مفسدة للمضاربة الجماعية، وهو قياس قول عامة فقهاء السلف، لأن الأرباح كلها قد تتحقق في الزمن الذي تلا سحب الأول لرأس ماله، أو قبل أن يودع رأس ماله فيه، فيكون الربح كله للثاني دون الأول، ويكون أخذ الأول له من أكل مال الغير بالباطل، وهو حرام، باتفاق الفقهاء، لقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: ١٨٨] .

إلا أن مصلحة المضاربة الجماعية التي أصبحت الأهم في طرق الاستثمار الإسلامي، وتقدم أساليب المحاسبة في هذه المؤسسات، وحصافة القائمين عليها وتوخيهم تحقيق الربح فيها بشكل منتظم ومتقارب، واتفاق أرباب الأموال على التسامح في ذلك، وجريان العرف على التعامل بطريقة النمر، على أنها الحل الوحيد لتوزيع الأرباح في المؤسسات الإسلامية، كل هذا في نظري يسمح بالتغاضي عن هذه الجهالة، وعدم الاعتداد بها.

وعلى كل فهذا اجتهاد مني أضعه أمام السادة الفقهاء الأفاضل، للنظر فيه، وإقراره أو تعديله أو اقتراح بديل عنه أفضل منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>