للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- إنه لا يمكن قبول الأسس القانونية التي استند إليها القانون الوضعي في تقنين أحكام الشركات بصفة عامة، كأساس للتطبيق على الشركات الإسلامية دون تمحيصها من الناحية الشرعية، خاصة وأن هذه الأسس يعتريها كثير من النقاط التي تتعارض مع الأحكام الشرعية المنبثقة من ديننا الإسلامي الحنيف، فعلى سبيل المثال، مع التسليم بأن الأحكام الخاصة بالشخصية الاعتبارية التي استحدثها علماء القانون المعاصرون تؤدي إلى الفصل بين كيان الشركة الجديدة المنشأة، وبين أموال الشركاء المؤسسين لها. إلا أنه بعرض الكيفية التي توصل بها القانونيون إلى هذا الفصل على منظار الشريعة الإسلامية الغراء يتضح أنها تقوم على أسس متناقضة، ولا يمكن قبولها بأي حال من الأحوال، من الناحية الشرعية.

فوفقًا لما يراه فقهاء القانون الوضعي، يترتب على إنشاء أي شركة جديدة شخص اعتباري يتمتع بجميع الحقوق التي يعينها له سند إنشاء هذه الشركة، أو التي يقررها له القانون (١) . فكيون له ذمة مالية مستقلة، وموطن خاص، وجنسية، وأهلية، وحق للتقاضي. . . إلخ. إلا أنهم رتبوا على ذلك أحكامًا أخرى من أهمها أنه لا يعتبر رأس مال الشركة ونماؤه مملوكًا ملكًا شائعًا بين الشركاء، بل هو ملك للشركة ذاتها بصفة أنها شخصية معنوية لها ذمة مالية مستقلة عن ذمم الشركاء أنفسهم كما سبق بيانه. وتعتبر هذه الأموال ضمانًا لدائني الشركة وحدها دون دائني الشركاء المكونين لها. ولا يحق للشركاء طوال فترة حياة الشركة التصرف في رأس المال نتيجة انفصاله عن دائرة ملكهم، ويستمر هذا الفصل حتى يتم تصفية الشركة، فحينئذ فقط يعتبر كل شريك مالكًا لحصة على المشاع في رأس مال الشركة.

إلا أن ذلك استلزم من ناحية أخرى إيجاد تكييف قانوني لنوع العلاقة المترتبة على انتقال ملكية حصص الشركاء في رأس المال إلى الشركة نفسها بصفتها شخصا جديدًا مستقلًا بذاته. فكان الحل المناسب من وجهة نظرهم هو إضفاء صفة المديونية المتبادلة بين الشركاء والشركة، فالشركة مديونة للشركاء بقيمة رؤوس أموالهم، وكذا الأرباح التي قد تغلها، بحيث تلتزم بسداد هذه الأرباح لهم تباعًا في حالة تحققها طوال فترة حياتها، ومن الناحية الأخرى فإن الشركاء يعتبرون مدينين للشركة بقيمة حصة كل منهم في رأس المال، وعليهم سداد هذه القيمة للشركة عند طلبها، وفي حالة تأخرهم عن السداد يضطرون إلى دفع فوائد عن الفترة محل التأخير (٢) .


(١) انظر: عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني: ٥/ ٢٦٣.
(٢) انظر: فايز نعيم رضوان، الشركات التجارية، ١٩٩٤م.

<<  <  ج: ص:  >  >>