للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- إن القول الذي قاله القاضي ابن زرب تصديقًا لكلام ابن بشير وتلميذه ابن عتاب، وذكر فيه جواز اشتراط الضمان على عامل المضاربة بعد العقد والتزامه به، يختص بحالة التطوع بعد الشروع في العمل، وهو يختلف تمامًا عن حالة التطوع قبل الشروع فيه، لأن عقد المضاربة لا يلزم عند المالكية قبل الشروع فيه (١) . فإذا تطوع العامل بالضمان قبل الشروع في العمل أصبح ذلك كالشرط في العقد وهو مرفوض عند المالكية في المذهب، أما إذا تطوع بعد الشروع فلا يصبح شرطًا، وليس فيه لزومًا عليه (٢) ، وهو ما ينقض الاستنتاج الذي توصل إليه د. نزيه بأن ما يجوز الالتزام به بعد العقد، يجوز الالتزام به في العقد.

ويمكن الاستدلال على ذلك من أقوال القاضي ابن زرب نفسه، فقد جاء في كتاب القواعد للإمام الونشريسي أن القاضي ابن زرب قال: (فلو تبرع بالضمان وطاع به بعد تمام الاكتراء لجاز ذلك، قيل له: فيجب على هذا القول الضمان في مال القراض إذا طاع به قابضه بالتزام الضمان. فقال: إذا التزم الضمان طائعًا بعد أن شرع في العمل فيما يبعد أن يلزمه)

فيظهر من النص أمران، أولًا: تردد القاضي ابن زرب في إثبات الحكم على هذه الحالة، وثانيًا: اشتراطه أن يكون التطوع بالضمان بعد الشروع في العمل (٣) .

٣- الرد على الاقتراح بضمان الطرف الثالث (الشرط بفرض ضمان غير المباشر بتكوين صندوق خاص لتغطية مخاطر الاستثمار) :

بمراجعة الشروط والقواعد الخاصة بعمل هذا النوع من الصناديق، وفقًا لما هو وارد باقتراح د. منذر، نجد أنها تهدف إلى ضمان استرداد المساهم لأصل رأس ماله.

ونقول وبالله التوفيق: إنه إذا كان الضامن والممول الأساسي للصندوق هو شركة من شركات القطاع الخاص المصدرة للسندات، فإن ذلك يتنافى بوضوح مع مقتضى عقد القراض (المضاربة) لعدم جواز ضمان عامل المضاربة لأصل رأس المال، ويؤدي إلى وقوع الربا، حيث إن الأصل الذي تفرضه أحكام عقد المضاربة، هو تقسيم الخسائر التي قد يبتلى بها المشروع المرتبط بهذا العقد إلى نوعين أساسيين:

النوع الأول: هو خسائر ناتجة عن تقصير أو تعد من جانب عامل المضاربة (الشركة) . وهذا النوع يتحمله العامل بالكامل، ولا يشاركه فيه صاحب رأس المال (صاحب الصك) .

النوع الثاني: فهو خسائر خارجة تمامًا عن إرادة عامل المضاربة، وناتجة عن غير تقصير أو تعدٍّ من جانبه، كتقلب الأحوال الاقتصادية، فهذا يتحمله صاحب الصك بالكامل.


(١) عقد القراض يعبتر عند المالكية من العقود غير اللازمة حتى يبدأ العامل في النشاط، فيتغير حينئذ إلى عقد لازم، لا يجوز فسخه من قبل أي من طرفي العقد، ويورث بموت أحدهما، وذلك على عكس القول عند سائر المذاهب الأخرى، فيعتبر عندهم عقدًا غير لازم من بدايته حتى نهايته، ولا يورث، انظر على سبيل المثال: ابن جزي، القوانين الفقهية، ص ١٨٦.
(٢) انظر: الإمام الرهوني، حاشية الرهوني على شرح الزرقاني لمختصر خليل ص ٣٢٣ - ٣٢٤.
(٣) انظر: الإمام الونشريسي، إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك، ص ٣٠١، وانظر أيضًا تعليق الرهوني في حاشيته على شرح الزرقاني لمختصر خليل، ص ٣٢٣ ـ ٣٢٤، وكذا قول الإمام التسولي، بتعين عدم لزوم غرم العامل في حالة تطوعه بعد الشروع في العامل، البهجة في شرح التحفة. ٢/ ٣٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>