للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- إن الإمام الونشريسي قد أورد في كتابه المذكور تنبيهًا للاستدراك على هذه القاعدة بقوله: (نص الفقهاء رضي الله عنهم على أن التزام ما يخالف سنة العقود شرعًا من ضمان أو عدمه ساقط على المشهور، كالوديعة على الضمان، والاكتراء كذلك) (١) .

د- إن قول د. نزيه: إن المالكية أجازوا، في المشهور عندهم، تطوع الأمين بالتزام الضمان بعد تمام عقد الأمانة، وبالتالي فإنه إذا صح التطوع بالالتزام بالضمان بعد العقد، فإنه يصح التزامه به في العقد، بناء على قاعدة الالتزام التبرعات في مذهبهم، ولأن ما لا يجوز التزامه في العقد لا يجوز التطوع بالتزامه بعده. فيرد على ذلك من ناحيتين كما يلي:

١- إن القضية الأساسية التي هي مدار المناقشة هنا تتعلق بعقد المضاربة، وقد أدمجه د. نزيه مع باقي عقود يد الأمانة كعقد الإجارة والعارية، وأضفي على الجميع استنتاجًا عامًا مفاده: جواز التضمين بالشرط، إلا أن ما أجازته المالكية وبعض المذاهب الأخرى بالنسبة لفرض الضمان يتعلق بعقود ترد على أعيان أو منافع غير نقدية، كضمان الحائك للملابس، أو ضمان الخباز للخبز، أو الصانع للمادة التي يصنعها، أما الرأي الذي ينادي به د. نزيه فيناقض تمامًا ما يسري عند المالكية في مذهبهم، وكذا عند أغلب المذاهب الأخرى، على عقد المضاربة. ولا يصح قياس عقد المضاربة على هذه العقود، حيث إن محل العقد في هذه الحالة هو النقود، وفرض الضمان فيها يجر إلى الوقوع في الربا والغرر، وبناء عليه ذهبت المالكية وكذا سائر هذه المذاهب إلى الإقرار بعدم صحة الالتزام في عقد المضاربة بشرط الضمان سواء كان ذلك في العقد، أم بعد العقد. وقد جاء في المدونة في هذا الشأن.

وسألت مالكًا عن الرجل يدفع إلى الرجل مالًا قراضًا على أن العامل ضامن للمال، قال مالك: (يرد إلى قراض مثله ولا ضمان عليه. . .) ، ثم قال: (ومن وضع القراض على غير الذي وضع القراض عليه فلا يصلح فيه شرط)

(٢) .

لذلك كان من الأوفق الفصل في الاستنتاج الذي توصل إليه صاحب الاقتراح بين عقد المضاربة من ناحية، وبين سائر عقود يد الأمانة الأخرى من ناحية ثانية.


(١) انظر: الإمام أبي العباس يحيى الونشريسي، إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك، ص ٣٠٠.
(٢) انظر: الإمام مالك، المدونة الكبرى: ٤/ ٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>