للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويضاف إلى ذلك كله في غاية الأهمية؛ وهو أن عقد إنشاء الصندوق والإسهام فيه ينطبق عليه نفس شروط وأركان عقد الهبة المشروطة بعوض. وهذا العقد بدوره يخضع لنفس الأحكام التي يخضع لها عقد البيع. وحيث إن مقتضى الاقتراح المقدم يفيد ضمانًا أن ملكية الأموال التي تدخل إلى الصندوق لا يختص بها أحد من أصحاب الصكوك. أو المساهمين بعينه. لذلك فإنه في ظل هذه الحقيقة يجب أن يكون الصندوق مستقلًا في شخصيته الاعتبارية عن الشخصية الاعتبارية للشركة، فإذا فرض وقوع خسائر للشركة في أي وقت من الأوقات. فيتعين في هذه الحالة التحرز من تعويض الصندوق لواحد من أصحاب الصكوك أو المساهمين المؤسسين بأكثر مما أسهم به هذا الشخص للصندوق من أموال. وإلا أدى ذلك إلى الوقوع في الربا (١) .

ولمزيد من الإيضاح نورد فيما يلي قولًا للإمام ابن جزي المالكي فيما يتعلق بأحكام الهبة المشروطة بثواب أو عوض، يقول:

(والموهوب له مخير بين قبولها أو ردها، فإن قبلها فيجب أن يكافئه بقيمة الموهوب ولا يلزمه الزيادة عليها ولا يلزمه الواهب قبول ما دونها) (٢) . ويقول: وحكم هبة الثواب كحكم البيع، يجوز فيها ما يجوز في البيع، ويمتنع فيها ما يمتنع فيها من النسيئة وغير ذلك) (٣) .


(١) إن هذه الملحوظة الخاصة بإمكانية وقوع الربا في التعامل بين صندوق تأمين خسائر الاستثمار وحملة الصكوك تنطبق بصورة أكثر جدة ووضوحًا إذا كانت المؤسسة محل المناقشة بنكًا من البنوك الإسلامية، لأنه يلزم في هذه الحالة الجديدة الأخذ في الاعتبار لإحدى السمات التي يختص بها الهيكل الحالي للودائع في البنوك الإسلامية، وهي أنه يسمح بالتدفق المستمر للودائع في وعاء المضاربة، وبالتالي بالخلط بينها جميعًا، على النحو الذي سبقت الإشارة إليه في بداية هذا البحث، فإذا استمر البنك في العمل بنفس هيكل الحسابات القائم حاليًا، فإن مقتضى الاقتراح الخاص بالدكتور سامي حمود هو أن ملكية الأموال التي تدخل إلى الصندوق لا يختص بها أحدى المودعين، أو المساهمين بعينه، لأن وعاء الأموال في هذه الحالة غير مغلق على أفراد معينين ومحصورين بذاتهم، كما هو مقرر في حالة الشركات. لذلك فإن الحاجة إلى استقلال الصندوق في شخصيته الاعتبارية عن الشخصية الاعتبارية للبنك تكون أكثر إلحاحًا. وفي ظل هذه الحقيقة إذا فرض وقوع خسائر للبنك في أي وقت من الأوقات، وأدى ذلك إلى تعويض الصندوق لأحد المودعين أو المساهمين بأكثر مما ساهم به هذا المودع للصندوق من أموال (وهذا الفرض لا يبعد تصور حدوثه في الواقع) فإن ذلك يؤدي إلى وقوع الربا في هذا التعامل [انظر: د. حسين كامل فهمي، ضمان الودائع الشرط (الرد) ، مرجع سابق، ص ٣٩] والحل في هذه الحالة هو كما سبقت الإشارة إليه بأنه يتعين إنشاء صناديق استثمارية مغلقة النهاية، بحيث لا يسمح بتدفق ودائع جديدة إلى وعاء المضاربة بعد بدء النشاط للصندوق فإذا قيل: إن الشركاء في عقد المضاربة قد اتفقوا على استخدام رأي المالكية ـ بشأن التبرع للمساكين ـ كسند لهم، لإنشاء صندوق بينهم لمقابلة مخاطر الاستثمار، على أن يتم التبرع بالأموال المتبقية في نهاية عمل الصندوق، فإن الرد على ذلك أن الأخذ برأي الإمام مالك في هذا الشأن يجب أن يصاحبه، ولا ينفك عنه، رأي المالكية أيضًا بعدم جواز خلط أموال جديدة بوعاء المضاربة بعد بدء النشاط استنادًا لرأي الإمام مالك نفسه المثبت في المدونة (وهو أيضًا رأي الجمهور) .
(٢) انظر: الإمام ابن جزي، القوانين الفقهية، ص ٢٤٢.
(٣) انظر: الإمام ابن جزي، القوانين الفقهية، ص ٢٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>