للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أنه من الحري بالتقرير بأن عدم ورود مصطلح المضاربة المشتركة في المدونات الفقهية القديمة، لا يعني ـ بأي حال من الأحوال ـ أن الفقهاء الأقدمين لم يكونوا يعرفون أو يعترفون بوجود هذا الشكل (الجديد) للمضاربة، ذلك لأن من المعروف لدى المطلعين على التراث الفقهي في المعاملات أن عقد المضاربة من العقود القلائل التي نالت حظًا وفيرًا من الدراسة والتحقيق الفقهيين الشاملين بصورة موسعة ومكررة، ومن الصعب جدًّا أن تكون ثمة جزئيات أو قضايا أساسية لم يعنوا بتناولها وفصل القول فيها وفق اجتهاداتهم وآرائهم، بل إن النظر الحصيف فيما يذكر من فوارق بين هذا الشكل الجديد والشكل القديم للمضاربة يهدي المرء إلى القول بأن المدونات الفقهية أوسعت تلك الفوارق جانب التفصيل والتحقيق أثناء حديثها المفصل عن تصرفات العامل (المضارب) في مال المضاربة وخلطه بين مال المضاربة وماله ومال غيره (١) ، كما أنها تناولت قضايا ومسائل هذا الشكل (الجديد) بحديث مؤسس ومؤصل عند الحديث عن حكم دفع المضارب مال المضاربة إلى آخر مضاربة. . . إلخ (٢) غير أن الفقهاء القدامى لم يطلقوا على هذا الشكل (الجديد) مصطلح المضاربة المشتركة كما فعل المعاصرون.


(١) أورد الإمام ابن قدامة وغيره مسألة خلط العامل مال المضاربة بماله، وبين أحكام ذلك الخلط إن كان بإذن رب المال، وإذا لم يكن بإذنه فقال ما نصه: (فصل) وليس له أن يخلط مال المضاربة بماله، فإن فعل ولم يتميز، ضمنه لأنه أمانة. فهي كالوديعة فإن قال له (يقصد إن قال رب المال للعامل) : اعمل برأيك، جاز له ذلك (أي الخلط) . . . المغني ـ مرجع سابق: ٥/ ٥٠ فالشاهد في هذا أن تلقِّي العامل الأموال من جهات متعددة ومن أفراد متعددين في فترة واحدة أو في فترات متلاحقة، ليس بأمر جديد ولا قضية حديثة كما يتوهم البعض، بل تعتبر من المسائل المرتبطة بالمضاربة قديمًا وحديثًا، ولذلك، فلا حاجة في حقيقة الأمر لتهويل هذا الأمر واعتباره شأنًا جديدًا في مسألة المضاربة.
(٢) تناول الإمام الكاساني هذا الموضوع عند حديثه عن أنواع التصرفات التي يجوز للمضارب فعلها في مال المضاربة إذا قال له رب المال: اعمل برأيك. . . وبين أن المضاربة والشركة والخلط وسواه، تعتبر من التصرفات التي يجوز له فعله. . وعليه، فإن تصرف المؤسسات المالية الإسلامية في مال المضاربة بعد تسلمها إياه لا يخلو أن يكون مضاربة أو شركة أو بيعًا وشراء، ولمزيد من التفصيل حول هذا، يراجع: بدائع الصنائع ـ مرجع سابق: ٦/ ٩٥. .

<<  <  ج: ص:  >  >>