للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى العموم، لئن تعذر العثور على تعريف فقهي قديم لمصطلح المضاربة المشتركة، فإنه لمن الأمر الغريب جدًا أن يكون ثمة عزوف ـ مقصود وغير مقصود ـ لدى الباحثين المعاصرين عن صياغة تعريف علمي واضح لهذا المصطلح، الجديد، فعلى الرغم من ترديد أكثرهم لهذا المصطلح في كتاباتهم وأحاديثهم، بيد أن معظمهم ـ إن لم يكن كلهم ممن أطلعنا على كتاباتهم (١) ـ لم يعنوا بذكر أدنى تعريف علمي له بتاتًا، بل إن الدكتور سامي الذي يعتبر ـ بحق ـ المخترع الأول لهذا المصطلح لم يعن هو الآخر في كتابه بذكر أي تعريف منضبط واضح لهذا المصطلح، وبدلًا من ذلك لاذ بذكر بعض الفروق الأساسية بين المضاربة المشتركة والمضاربة الخاصة، وقد كان حريًا به وبغيره من المعاصرين أن يستهلوا أحاديثهم عن هذا المصطلح الجديد بذكر تعريف واضح ومحكم لحقيقته وماهيته.

ومهما يكن من شيء فإنه من الممكن استخلاص تصور عام عن حقيقة هذا المصطلح عند الدكتور سامي بوصفه المخترع الأول لهذا المصطلح في الدراسات الاقتصادية الإسلامية المعاصرة، وذلك من خلال ما نقلناه عنه سابقًا، حيث إنه حدد الوظيفة الأساسية التي يقوم بها المضارب المشترك وهي أنه ـ بصفته شخصية اعتبارية ـ (. . . يأخذ الأموال من الكافة ـ كالأجير المشترك ـ ويعمل فيها بشروط تخضع للتنظيم الذي يضعه هذا المضارب المشترك حتى يمكن تسيير دقة الاستثمار براحة وأمان. .) ويعني هذا أن هذا المضارب يتلقى الأموال من الكافة (= عدد من الأشخاص = المودعين) ويعمل فيها وفق شروط يضعها هو ليس رب المال، ويغلب على تلك الشروط كونها شروطًا خاضعة للتنظيم الذي يمكن من خلاله تسيير دقة الاستثمار وتحقيق أرباح معتبرة للأموال التي يأخذها من الكافة. وتضم هذه المضاربة المشتركة (. . . ثلاث علاقات مترابطة تمثل مالكي المال والعاملين فيه والجهة الوسيطة بين الفريقين، كما تنفرد ـ كنظام جماعي ـ بعدد من المزايا التي يبدو من المتعذر تحققها في نطاق المضاربة الخاصة وما يداخلها من قيود) (٢) .

وأما العلاقة التي توجد بين هؤلاء الفرقاء الثلاثة فتختلف بين كل فريق والفريق الآخر، تبعًا لاختلاف شكل التعاقد بين الطرفين، ويعتبر المضارب المشترك الشخصية الجديدة في هذا النظام، وله أهمية خاصة لصفته المزدوجة، حيث إنه يبدو مضاربًا بالنسبة للمستثمرين (وهم أصحاب الأموال) من ناحية، كما أنه يبدو كمالك المال بالنسبة للمضاربين من ناحية ثانية) . (٣) .

وفضلًا عن هذا، فإن هذا المضارب المشترك يتميز (عن نظيره في المضاربة الخاصة في مسألتين هامتين، هما: الشروط، والضمان، مسألة الشروط: لا مناص من إعطائه حق تحديد الشروط التي تتلاءم مع طبيعة الاستثمار الجماعي المشترك. وهذا يعني أن المضارب المشترك يتمتع بالاستقلال التام فيما يتعلق بالشروط التي كان يمكن للمستثمر ـ بصفته مالك المال ـ أن يفرضها على المضارب الخاص. وبالنسبة لمسألة الضمان، فإنه يضمن لما يسلم إليه من أموال لغايات الاستثمار؛ من المسائل الهامة على الصعيد العملي، وذلك باعتبار أن هذه المسألة تشكل ـ في حقيقتها ـ عنصرًا هاما في إنجاح عمل المضارب المشترك ـ كوسيط مؤتمن في مجال الاستثمار المالي) (٤) .


(١) انظر ما أورده الدكتور حسن عبد الله الأمين من حديث عن المضاربة الجماعية، ولكنه كغيره تجاوز تحديد المراد بهذا المصطلح، وكذلك فعل الدكتور الصاوي أثناء مناقشته ما ورد من آراء حول هذه المسألة. . . انظر: المضاربة الشرعية وتطبيقاتها المعاصرة للدكتور الأمين، ومشكلة الاستثمار في البنوك الإسلامية وكيف عالجها الإسلام، للدكتور الصاوي.
(٢) انظر: تطوير الأعمال المصرفية، مرجع سابق، ص ٣٩٣ ـ ٣٩٤ باختصار.
(٣) انظر: تطوير الأعمال المصرفية، مرجع سابق. ص٣٩٣- ٣٩٤ باختصار.
(٤) انظر: تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية ـ مرجع سابق، ص ٣٩٧ـ ٤٠٠ بتصرف واختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>