للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الملاحظ فيما ذكره المرحوم العربي في تكييفه الرائع أن هذا الشكل من المضاربة يجب أن يكون مطلقًا، فهي وحدها التي تتسع لهذا الأمر، ولا شك أن هذه الملحوظة تعتبر هامة وضرورية لا غنى عنها البتة عند الحديث عن المضاربة في نطاق المصارف والمؤسسات المالية والمختلفة، وسيأتي معنا مزيد بيان كون المضاربة الموسومة اليوم بالمضاربة المشتركة جزءًا لا يتجزأ من المضاربة المطلقة التي سبق لأئمة الفقه أن أوسعوها جانب التفصيل والتحقيق والشرح.

وعلى العموم، لئن انتهى المرحوم إلى هذا التكيف، فإن الدكتور حسن الأمين هو الآخر انتهج ذات المنهج في تكييف العلاقة بين أطراف هذا العقد، وأكد أن العلاقة ثنائية وليست ثلاثية، غير أنه لم يهتد إلى اعتبار هذه المضاربة مضاربة مطلقة كما فعل المرحوم العربي، وهذا نص ما قاله بهذا الصدد: (. . العلاقة هنا بين المدخرين أصحاب الأموال التي ترد إلى البنك، وبين البنك ـ عامل المضاربة ـ بهذه الأموال بنفسه مباشرة، أو بدفعها لمضارب ثان، هي علاقة ثنائية طرفاها البنك من جهة والمدخرون ـ أصحاب الأموال ـ من جهة أخرى، سواء أقام البنك بالعمل مضاربة بهذه الأموال، أم أعطاها إلى آخرين للعمل بها على نفس مبدأ المضاربة، على أن يكون نصيب المضارب الثاني من نصيب البنك الخاص، المتفق عليه كنسبة شائعة من الربح مع أصحاب الأموال، ولو استغرق ذلك جميع نصيب البنك، من غير أن يتأثر نصيب أصحاب الأموال المتعددين بشيء من ذلك، وفي هذه الحالة الثانية، تصبح العلاقة ثنائية أيضًا بين البنك والمضارب الثاني، من جهة أخرى، ولا يكون البنك وسيطًا بين أصحاب الأموال الاستثمارية والمضارب الثاني وإنما تنحصر علاقة المضارب الثاني مع البنك فقط باعتباره عاملًا له، ويظل البنك في هذه الحالة صاحب العلاقة بمفرده مع أصحاب الأموال الاستثمارية مسؤولًا عن هذه الأموال أمام أصحابها وضامنًا لها عند التقصير أو التعدي من المضارب الثاني، على أن يكون له الحق في أن يعود عليه بما ضمن) (١) . وبمقتضى هذا التقرير عند الدكتور الأمين، فإن البنك يستحق الربح مقابل عمله في كلتا الحالتين، وتتفاوت نسبة ربحه بتفاوت درجات عمله، فإذا كان العامل الوحيد، كانت نسبته أعلى، وإذا ضارب غيره، فإن نصيب المضارب الثاني من الربح يؤخذ من نصيبه، وهكذا دواليكم.


(١) انظر: المضاربة الشرعية، مرجع سابق، ص٥٦ باختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>