وبهذا نصل إلى نهاية عرضنا لأطراف العلاقة في هذه المضاربة، وقد تبين لنا الأثر العملي الذي يترتب على نظرة الباحثين المعاصرين إلى طبيعة هذه العلاقة، وإن يكن لنا من وجهة نظر فيما انتهوا إليه من تحرير وتقرير، فإننا نميل إلى ترجيح القول بأن العلاقة بين أطراف هذه المضاربة الموسومة بالمضاربة المشتركة ثنائية في جميع الأحوال، ويعتبر المودعون أرباب مال، وأما البنك فيعتبر عاملًا (= مضاربًا) في الأموال التي تودع عنده وأما عمل أولئك الذين يقومون بما يسمى بالاسثتمار الفعلي للأموال (= المستثمرون) فإنه يعتبر جزءًا لا يتجزأ من عمل البنك المتمثل في الإشراف والتنظيم والتخطيط والتوجيه ويعني هذا أنه ليس ثمة منطق علمي سديد في وصف عمل البنك بالوساطة أو الوكالة أو سوى ذلك، ذلك لأن العمل في المنظور الاقتصادي الإسلامي الشامل لا ينحصر ـ بأي حال من الأحوال ـ في الجهد العضلي فقط، ولكنه ينتظم ذلك الجهد حينًا، كما ينتظم الجهد الذهني والتنظيمي والإشرافي والتخطيطي حينًا آخر، وبالتالي، فإن التخطيط والإشراف والتوجيه والتنظيم الذي يقوم به البنك أثناء تعامله مع أولئك المتعاملين معه يمثل كل ذلك جزءًا من عمل المضارب (= البنك) ، وليس جزءًا خارجًا عن العمل المشروع للمضارب في مال المضاربة وخاصة المضاربة المطلقة، وقد اهتدينا إلى هذا القول بناء على أسباب علمية موضوعية متعددة من أهمها:
أولًا: إن المضارب (= المؤسسة المالية) يتعاقد مع رب المال (متعددًا أو غير متعدد) عقدًا ثنائيًا بينهما، ولا يوجد أي طرف ثالث اثناء انعقاد عقد المضاربة بينهما، وبالتالي فإن العلاقة ثنائية وليست ثلاثية، على أن علاقة المضاربة (= المؤسسة المالية الإسلامية) بعد ذلك مع الأطراف الأخرى يمكن لها أن تتعدد كما يمكن لها أن تكون ثنائية أيضًا، ويرجع تحديد طبيعة تلك العلاقة إلى تحديد نوعية العمل الذي يقوم به المضارب مع أولئك الأطراف. وعليه فالعلاقة ثنائية على مستوى عقد المضاربة الأصلي، وأما علاقات المضارب بغيره بعد انعقاد عقد المضاربة فإن تحديدها متروك لطبيعة العمل ونوعه، وقابل لأن تكون ثنائية أو ثلاثية أو رباعية أو سوى ذلك.