للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خامسًا: أن اعتبار المصرف وسيطًا محل إشكال ونقد، ذلك لأن عقد المضاربة عندما عقدت، عقدت بينه وبين المودعين، ولم يكن ثمة مستثمرين معروفون حتى يتوسط المصرف بينهم وبين المودعين، فالمصرف يتلقى الأموال ثم يبحث عن المستثمرين، فأنى يستقيم اعتبار المضاربة عقدًا بين مستثمرين على ذمة الوجود ومودعين موجودين بالفعل؟ وعليه فإنه ينبغي اعتبار المصرف عاملًا لا غير، ومن حق هذا العامل، ما دامت المضاربة مطلقة، أن يستعين بغيره من العمال أو التجار للقيام بواجب الاستثمار لأموال المودعين، كما أن من حقه أن ينحصر دورة في التنظيم والإشراف على عمل أولئك الراغبين في استثمار أموال المودعين، وما يتفق عليه المصرف مع أولئك المتعاونين معهم مرابحة أو شركة أو مضاربة أو بيعًا وشراء أو غير ذلك، يلتزم به كل واحد منهم.

سادسًا: أن الوساطة في تصورنا لا تخلو من أن تكون عملًا أو غير عمل، فإن كانت عملًا، فإن قيام المضارب (= المؤسسة المالية) بها يمثل ذلك جزءًا من العمل المطلوب منه أداؤه لتنمية المال واستثماره، وبالتالي فإن اعتبار العلاقة ثلاثية لا يستقيم ما دامت الوساطة والتنظيم جزءًا من العمل الذي ينبغي أن يقوم به المضارب (= المؤسسة المالية) ، فالعقد ـ في حقيقته ـ انعقد بين عامل ـ يعاونه عدد من الأفراد ـ وبين أرباب أموال كثيرين فالعلاقة إذا ثنائية وليست ثلاثية.

سابعًا: أننا نعتقد أن الذي أوقع كثيرًا من الباحثين المعاصرين في حيرة من أمرهم عند تكييفهم للعلاقات بين أطراف هذا العقد، يعود إلى عدم اعتدادهم بالتنظيم والإشراف والتخطيط عنصرًا معتبرًا ومهمًا وضروريًا من عناصر العمل المطلوب اليوم في المضاربة وسواها من المعاملات الشرعية، والحال أن التنظيم والإشراف والتخطيط أجزاء من العمل المطلوب اليوم في الاستثمار، ولهذا فلو لم يحصر أولئك الباحثون المعاصرون مفهوم العمل في دائرة العمل العضلي، لما كانت ثمة صعوبة في اعتبار المصرف عاملًا (= مضاربًا) في سائر الأحوال ولهذا فإننا نرى أن الحاجة تمس اليوم إلى العودة المتأنية إلى اعتماد المفهوم الواسع لمصطلح العمل وعدم حصره في العضليات فقط، إنه ليس من مرية في أن هذه العودة ستخرجنا من هذه الحيرة التي دفعت بالكثيرين إلى مختلف التكييفات المذكورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>