هذه بعض الأسباب العلمية والموضوعية التي انطلقنا منها في تقرير القول بأن طبيعة العلاقة بين أطراف هذا الشكل الجديد وغيره من أشكال المضاربة في المنظور الإسلامي ثنائية، وأن المصرف يعتبر في جميع الأحوال مضاربًا يستحق نصيبه من الربح مقابل عمله سواء أكان ذلك العمل عملًا عضليًا، أم عملًا فكريا وعلميًا وذهنيًا كالتنظيم والإشراف وسواهما.
وصفوة القول، فإن المؤسسات المالية الإسلامية المعاصرة التي تتلقى الأموال من أربابها، تعتبر (المضارب) في تلك الأموال، ويعتبر مودعو الأموال (رب المال) ونسبة الأرباح بينهم حسب ما اتفقوا عليه، وأما طبيعة العلاقة بين البنك (المضارب) وغيره من الجهات فإنها تختلف باختلاف طبيعة العمل الذي يمكن أن يكون شركة أو مرابحة أو بيعًا أو شراء أو سوى ذلك، وأما الشروط التي تضعها المؤسسات أو أرباب الأموال لبعضهم البعض في عقد المضاربة، فإننا نرى أنه ينبغي أن يتم النظر إليها في ضوء الاجتهادات السابقة لمعرفة مدى صلاحيتها للواقع الذي نعيش فيه.
على أن النظر إلى المسائل التي يجود بها الواقع الاقتصادي المعاصر في ضوء الاجتهادات لا يعني بأي حال من الأحوال عدم تجاوز تلك الاجتهادات إذا تبين عدم جدواها وكفاءتها لتوجيه تلك المسائل توجيهًا علميًا متكاملًا ذلك لأن الاجتهادات التي ورثناها عن أئمة الفقه إزاء معظم المسائل والقضايا المرتبطة بالمضاربة وغيرها من المعاملات لم تخل ـ كما قررنا ـ من التأثر بالواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والأخلاقي السائد، مما يعني أن أي تغير يطرأ على أي جانب من جوانب ذلك الواقع، يؤذن بتغير ما انبنى عليه من اجتهاد، ويمكن لذلك التغير أن يأخذ أشكالًا وأنماطًا متعددة ومتنوعة.