للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا شك أن هذه النظرية النفعية الأنانية المحضة تعيب هذا النظام التأميني، وقد تصرف عنه من ينشد الأمان، إذا وجد ما يمكن أن يحقق مزاياه مبرأة من هذا الاستغلال المقيت، الذي يعود على المؤمن بالربح الوفير، وقد قوع ذلك فعلًا حين اكتشف الناس في العصور الوسطى أنه يمكن استبعاد دور التاجر المستغل، بخلق صلة مباشرة بين راغبي الأمان حتى يؤمن بعضهم بعضًا، فنشأت بذلك جمعيات لهذا الغرض، أطلق عليها اسم الجمعيات التبادلية، وفيها كان أعضاؤها جميعًا يسهمون في التعويض الذي يدفع لمن وقع به الخطر، عن طريق اشتراكات يقدرون كفايتها، فإن أوفت بالتعويض فيها ونعمت، وإلا أضيفت إليها مبالغ أخرى تصل بها إلى الكفاية، ولا بأس بعد ذلك من احتساب مقدار الاشتراك، وتوزيع الأعباء والتعويضات النقدية والعينية بذات الأسلوب الذي يستخدمه المؤمن التاجر سالف الذكر، طالما أن ذلك لا يمس عنصر التكافل والتعاون في مواجهة الكارثة.

على أن هذا التأمين التبادلي أو التعاوني لم يف وحده بالحاجة، ذلك لأنه يتطلب في أعضائه وفرة في العدد، وتجانسًا في المخاطر وتقاربًا في الحالة الاجتماعية، كما يتطلب توعية بالغة، حتى يقبل الأعضاء إلى الاشتراك فيه، فيعصمونه بذلك من التردي في حومة الفشل الذي يسعى إليه أنصر التأمين الأول، جزاءً وفاقًا على ما أضاعه عليه من ربح وفير.

لذلك، وبسبب هذه العقبات، نشأ نوع جديد من التأمين، يستبعد الربح الذي يصم النوع الأول، فيجعل الهدف اجتماعيًا بحتًا، ويعالج الفشل الذي يتعرض له النوع الثاني بعدم الإقبال عليه إقبالًا كافيًا، وذلك بجعل الاشتراك فيه إجباريًا، ويحكم قبضة القائمين على النظام ابتغاء حسن إدارته، فيحرره ما أمكن من الروتين الحكومي، ويجعل له موازنة مستقلة تتجمع فيها الاشتراكات التي يقدمها المؤمن عليهم وغيرهم، وتغذيها الأموال العامة التي تصدر عن الخزانة أو غيرها، وذلك حتى تؤتي هذه التأمينات أكلها كل حين بإذن ربها.

٦- وقد اصطلح علميًا على إطلاق اسم التأمين التجاري أو الخاص على النوع الأول، وعلى إطلاق اسم التامين التبادلي أو التعاوني على النوع الثاني، وعلى إطلاق اسم التأمين الاجتماعي على النوع الثالث، وجرى العمل في كثير من بلدان العالم على عدم الانحصار في نوع واحد من هذه الأنواع، وإن كانت الدول المتقدمة توسع من نطاق التأمين الاجتماعي أما الدول الإسلامية فقد بدأت تتبنى نظم التأمين التعاوني، ومع ذلك، فما تزال معظم بلاد العالم متشبثة بالتأمين التجاري الذي قد ينفرد ببعض صور التأمين، كالتأمين على حوادث السيارات.

<<  <  ج: ص:  >  >>