للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما كون علاقة المتعاقدين بعيدة عن التبرع ولا صلة لها بالتعاون على الخير، فلأن المستشفى لا تبغي من ورائها مجرد أداء خدمة إنسانية تتفضل بها على عبد من عباد الله، كما أن المتعاقد معها لا يهدف من قيامه بالتزامه، أن يعاون غيره –ممن لا يعرفه ولا يرتبط به بأي رابطة – فيما قد يحل به من أمراض أو إصابات، كما أنه لا يهدف كذلك إلى فعل الخير للمجموع بتقديم العلاج إلى من يحتاجه ممن لا يقدر على تكاليفه، وإنما كل من المتعاقدين يرمي إلى مصلحة ذاتية له، فالمستشفى يسعى إلى ضمان ربح مادي لها، بحصولها على المبلغ المدفوع وعدم تقديم ما يبلغ مبلغه من علاج، والمتعاقد يهدف إلى أن يحقق لنفسه وفرًا في النفقات إن وقعت به مصيبة المرض أو الإصابة واحتاج إلى مبالغ طائلة لعلاجها.

ومن ناحية أخرى، فإنه لم يقع الذي يتهدد الشخص المتعاقد، فإن التزامه بتقديم المبلغ النقدي المتفق عليه يتعرى عن سبب شرعي يبرر الحصول عليه، فالمستشفى لم يقدم أي علاج يستحق عليه أجرًا، ولا فضل له في عدم وقوع المرض أو الإصابة حتى يتقاضى مقابلًا لجهده في منع وقوعه، ومجرد ضمان عدم الوقوع لا يملكه، إذ إن حدوث الأمراض ووقوع الإصابات مرده إلى أمور لا يد له فيها.

وترتيبًا على ذلك يكون العقد قد شابه ما يشوب عقد التأمين التجاري من غرر كبير وجهالة فاحشة، مما يشكل أكلًا لأموال الناس بالباطل أو إلزامًا بما لا يلزم شرعًا.

فأما الغرر الكبير (١) فقد تناول منه –فيما تناوله- المعقود عليه، وهو هنا العلاج الذي تعهدت به المستشفى في مقابل المبلغ الذي دفعه المتعاقد، إذ إن هذا العلاج لا يُعرف إن كان سيقدم أولًا، وإذا قدم، فعلى أي قدر يكون، وما هي نسبته إلى المبلغ المدفوع للمستشفى.


(١) الخرشي، الطبعة الأولى، ص ٣، ٤٢٥ وما بعدها؛ الشرح الصغير، طبعة دولة الإمارات سنة ١٩٨٩م: ٣/٩١. وقد وضع الإمام ابن القيم معيارًا للغرر الكبير يتمثل في أن يكون المعقود عليه مما لا يعلم حصوله، أو لا يقدر على تسليمه، أو لا يعرف حقيقة مقداره، وهي الأنواع التي ورد فيها النهي عن الرسول صلى الله عليه وسلم (زاد المعاد: ٤/٤٨٤ – ٤٨٥) ، وراجع الشرح القيم الذي أدلى به فضيلة الدكتور الصديق الضرير، عضو مجمع الفقه الإسلامي المنشور في مجلة المجمع، العدد الثاني ٢/٦٧٩ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>