للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يقال في هذا الشأن إن المعقود عليه ليس هو ما تقدم، وإنما هو الأمان الذي تسبغه المستشفى على المتعاقد بمجرد التزامها بعلاج ما قد يحدث له دون مقابل جديد أيًّا كانت درجة جسامته، ذلك لأن الأمان أمر نفسي محض يستحيل الالتزام به، فهو إحساس وشعور لا تملك المستشفى أن تبثه في نفس المتعاقد، ولا تستطيع أن تقوم بأي عمل من شأنه منع وقوع المرض أو الإصابة المؤمن منها (١) . فإن قيل: إن المستشفى سوف توفر للمتعاقد أسباب الأمان بتعهدها بالعلاج بالغا ما بلغ قدره، فإن هذا القول لا يدل على أكثر من أن الأمان هو الباعث على إبرام المتعاقد للعقد، والثمرة التي سعى لجنيها والنتيجة المترتبة على وجود التزام المستشفى بأداء العلاج المعقود عليه، والذي يقابل المبلغ المدفوع، وذلك مما يؤكد أن المحل هو العلاج والمبلغ، وليس هو الأمان أو توفير أسبابه.

ومن ثم ولما كان الواضح مما سلف بيانه أن الغرر قد أصاب المعقود عليه، وكان كبيرًا، وليس باليسير، وكان العقد من عقود المعاوضة المالية وليست هناك حاجة عامة تلجئ إليه، إذ يمكن تحقيق الهدف منه بواسطة طرق أخرى من بينها التأمين التعاوني، فإنه لذلك يكون قد تأكد بطلان الاتفاق بما شابه من غرر.

وأما الجهالة الفاحشة فإن قيامها بالعقد مترتب على وجود الغرر الكبير، فضلًا عما تؤدي إليه –في التعاقد الماثل- من كثرة المنازعات بسبب الغموض الذي يكتنفه، وبالتالي فإن وجودها يصم العقد بالبطلان كذلك.

وأما أكل أموال الناس بالباطل، فلأن حصول المستشفى على المبلغ الذي سدده المتعاقد، إذا لم يُصب هذا بشيء من الخطر الذي تعهد المستشفى بعلاجه، يكون أخذًا لهذا العوض دون مقابل، فهي لم تفعل شيئًا تستحق عليه مقابلًا ولا فضل لها في عدم وقوع المرض أو الإصابة، وبالتالي فإن استيلاءها على المبلغ الذي دفعه المتعاقد يكون أكلًا له من غير الأوجه التي أباحها الله وأذن بها.

وإذا وقعت الواقعة، فإن التزام المستشفى بالعلاج يُعد إلزامًا بما لا يلزم شرعًا (٢) ، إذ لم ينسب إليها أنها أفسدت الانتفاع بأي عضو للمتعاقد بطريق المباشرة أو التسبب، ولا يوجد سبب يقتضي وجوب الضمان، ومن ثم فإنه لا محل لإلزامها بتقديم العلاج عينًا أو نقدًا، لأنه إلزام بما لا يلزم شرعًا.

ولا يقال في هذا الشأن: إن المستشفى يعد أجيرًا مشتركًا يتحمل الضمان، وفق ما ذهب إليه بعض الفقهاء، ذلك لأن ضمان الأجير المشترك –على فرض توافره جدلًا- لا يتناول ضمان ما لا يمكن الاحتراز عنه (٣) .


(١) الدكتور وهبة الزحيلي، في بحثه الذي قدمه، ومناقشته التي أبداها في الدورة الثانية لمجمع الفقه الإسلامي والمنشورين في العدد الثاني من مجلة المجمع: ٢/٥٤٧، ٦٦١ وما بعدها.
(٢) الالتزام بما لا يلزم شرعًا كان هو الحجة الرئيسية التي بنى عليها العلامة ابن عابدين رأيه بعدم جواز التأمين البحري. (حاشية) رد المحتار: ٤/١٧٠ – ١٧١، فصل في استئمان الكافر، مطلب فيما يفعله التجار من دفع ما يسمى (سوكره) ، طبعة دار الفكر – الطبعة الثانية.
(٣) الشيخ عيسوي أحمد عيسوي، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة عين شمس، مقال بعنوان عقد التأمين من وجهة نظر الشريعة الإسلامية والقانون، مجلة العلوم القانونية والاقتصادية بجامعة عين شمس، السنة الرابعة، العدد الأول، يناير سنة ١٩٦٢م، ص ٢١٤ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>