للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢١-ولا يختلف الفقه الإسلامي –في جملته- مع القانون، في أن عقد العلاج هو –بحسب الأصل- التزام من جانب الطبيب ببذل عناية (١) أخذًا بأسباب الشفاء، وليس التزامًا بتحقيق غاية هي البرء والشفاء فذلك مرده إلى الله وحده الذي يمن بالشفاء على المريض، وبالتالي فإن الفقه يرى ما يراه رجال القانون من أن الطبيب يعتبر –كقاعدة عامة- أنه وفَّى بالتزامه كاملًا واستحق أجره، إذا بذل عنايته في علاج مريضه ولو لم يبرأ من علته، وليس للعليل الرجوع عليه بشيء لأن المستأجر عليه المعالجة لا الشفاء (٢) .

وتفريعًا على أن العلاج أخذ بأسباب الشفاء، فإنه إذا اتفق في عقد العلاج على مدة معينة، وبرئ المريض قبل بدء العلاج، انفسخت الإجارة لأنه وقد تعذر العمل، فقد (أشبه ما لو حجر عنه أمر غالب) (٣) ، أما إذا برئ قبل انتهاء المدة المتفق عليها فإن (للطبيب بحساب ما عمل) (٤) ، وإذا امتنع المريض عن العلاج لا يجوز أن يجبر عليه، لأنه مفوض في نفسه طالما كان أهلًا لذلك (٥) .


(١) وقد يرجع ذلك إلى أن الطبيب، وإن كان يقوم بواجب، إلا أن تنفيذ ذلك متروك لحرية اختياره وحده، ولاجتهاده العلمي والعملي، فهو أشبه بصاحب الحق، منه بمؤدي الواجب، لما له من السلطان الواسع وحرية الاختيار في الطريقة والكيفية التي يؤدي بها عمله، انظر: عبد القادر عودة، التشريع الجنائي الإسلامي، دار الطباعة الحديثة: ١/٥٢٠-٥٢١، بند ٣٦٢؛ والشيخ محمد أبو زهرة، مسؤولية الأطباء، مجلة لواء الإسلامي، سنة ٢٠، عدد ١٢، ص٥٣-٥٥.
(٢) حواشي الشرواني وابن قاسم العبادي على تحفة المحتاج بشرح المنهاج، دار إحياء التراث الإسلامي: ٦/١٦٣.
(٣) يقول في المجموع: (فإن برئت عينه أثناء المدة، انفسخت الإجارة في ما بقي من المدة، لأنه وقد تعذر العمل، فأشبه ما لو حجر عنه أمر غالب، وكذلك لو مات، فإن امتنع من العلاج فلم يستعمله مع بقاء المرض استحق الطبيب الأجر بمضي المدة، كما لو استأجره يومًا لبناء فلم يستعمله) (المجموع شرح المهذب للنووي، دار الفكر: ١٥/٨٢-٨٣) .
(٤) يقول الدردير في الشرح الصغير: (فإن لم يجعل الأجرة على البرء فله بحساب عمله) . . ويقول الصاوي في حاشيته تعليقًا على ذلك: (قوله: فله بحساب ما عمل؛ أي وإن لم يحصل برء به ولا بغيره) (الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك لأبي البركات أحمد الدردير، طبعة دولة الإمارات ١٩٨٩م: ٤/٧٥) .
(٥) المجموع شرح المهذب للنووي، دار الفكر: ١٥/٨٢-٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>