تكلم فقهاء المذاهب الفقهية عن هذه المسألة، واختلفوا فيها اختلافًا كثيرًا. جاء في المدونة:(قال مالك: في الأطباء إذا استؤجروا على العلاج فإنما هو على البرء، فإن برأ فله حقه، وإلا فلا شيء له) ومؤدى هذا أن الإمام مالكًا يجوز اشتراط البرء لاستحقاق المقابل في إجارة الطبيب.
ووافق الإمام مالكًا ابنُ موسى من فقهاء الحنابلة.
وخالفهما جمهور الفقهاء، فمنعوا إجارة الطبيب على العلاج مع اشتراط البرء لاستحقاق الأجر.
وجوز اشتراط البرء لاستحقاق المقابل في عقد الجعالة الشافعية، والحنابلة على الصحيح عند ابن قدامة، ومالك في أحد قوليه، كما حكاه الباجي في المنتقى، والتسولي في البهجة، واقتصر على هذا القول الدردير في الشرح الصغير، ووافقه عليه الصاوي.
واشترط ابن قدامة والتسولي أن يكون الدواء من العليل، فإن شرط على الطبيب فسد عقد الجعالة.
ومنع مشارطة الطبيب على البرء في عقد الجعالة الزيدية، والظاهرية، والحنفية كما ظهر لي من أقوالهم، ومالك في أحد قوليه، والحنابلة على الصحيح في المذهب عند محشي المقنع.
وأرجح منع مشارطة الطبيب على البرء مطلقًا سواء أكانت في عقد إجارة أو عقد جعالة، وسواء شرط الدواء على الطبيب أم كان على العليل؛ لأنها إن كانت في عقد إجارة يكون فيها غرر في محل عقد، وهو العلاج حتى البرء، وهذا الغرر ناشئ عن الجهل بمدة العلاج، فقد يبرأ العليل بعد علاج يوم، وقد يبرأ بعد علاج أسبوع، وقد يبرأ بعد علاج شهر، هذا إذا برأ.
وفي عقد الإجارة هذا غرر آخر ناشئ عن الشرط، لأن اشتراط البرء على الطبيب شرط في وجوده غرر؛ لأن البرء قد يحصل وقد لا يحصل، والشرط الذي في وجوده غرر من الشروط الفاسدة المفسدة للعقد.
هذا بالنسبة لعقد الإجارة، أما اشتراط البرء لاستحقاق الجعل في عقد الجعالة فلا يجوز أيضًا؛ لأن الجعالة في القياس غرر، لما فيها من جهالة العمل، وجهالة الأجل، وإنما جازت استثناء للحاجة إليها في رد البعير الشارد ونحوه.
ولا حاجة تدعو إلى مجاعلة الطبيب على البرء، ثم إن البرء ـ كما يقول المانعون ـ غير مقدور للطبيب، ولا يقدر عليه إلا الله.