للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكيف يمكن تمويل الخدمات الصحية في عصرنا الحاضر؟

لا بد قبل كل شيء من أن نستذكر أهم المبادئ التي أوردناها والتي تحكم هذا التمويل.

وأول هذه المبادئ ما ذكرناه عن ضرورة لضمان العدالة والمساواة في توفير الرعاية الصحية، بمعنى أن الرعاية الصحية ينبغي أن تتاح على نفس المستوى لجميع سكان الدولة بلا استثناء، غنيهم وفقيرهم، مسنهم وشابهم، كَهلهم وطفلهم، ذكرهم وأنثاهم، قادرهم ومعاقهم، عاملهم وعاطلهم، حاضرهم وباديهم، مواطنهم ووافدهم.

وثاني هذه المبادئ ما ذكرناه عن ضرورة ضمان جودة هذه الخدمات الصحية وإتقانها، وذلك يتطلب وجود (نظام لضمان الجودة) ، مثله في تاريخنا نظام (الحسبة) الذي هو من عبقريات ما ابتكرته هذه الأمة وبدأ تطبيقه منذ عهد الخلافة الراشدة، إذ كان من أهم وظائف المحتسبين مراقبة الأطباء، وهو نظام لا بد من الاستفادة منه في هذا المجال إلى أبعد مدى في عصرنا الحاضر. . على أن من المهم قبل كل ذلك العمل على (إجادة) كل ما يلزم لتقديم الخدمة الطبية والرعاية الصحية المثلى للجميع، ويتطلب ذلك الإنفاق بسخاء على اقتناء وتشغيل وصيانة الأجهزة الطبية المتطورة التي تستخدم في التشخيص والمعالجة، والإنفاق بسخاء كذلك على البحث العلمي لابتكار الأفضل والأفضل دومًا من أمثال هذه الأجهزة ومن الأدوية التي تمس الحاجة إليها يومًا بعد يوم. ومعلوم أن كثيرًا من الدول تنفق في وقتنا الحاضر بلايين الدولارات للإنفاق على هذه المستحدثات والمبتكرات وعلى البحث العلمي كل عام.

وثالث هذه المبادئ ما ذكرناه عن كفاءة الخدمات الصحية وعنينا بذلك تقديم أفضل خدمة ممكنة بأقصر مدة ممكنة وبأقل ما يمكن من النفقات.

ورابع هذه المبادئ أن تهتم مؤسسات الرعاية الصحية بالوقاية مثل اهتمامها بالعلاج، بل وأكثر؛ لأن الوقاية توفر على المريض كثيرًا من عناء المرض وما يخلفه في البدن من عواقب، كما توفر على المؤسسات الصحية كثيرًا مما تنفقه بلا داع على هذه الأمراض التي يمكن توقيها، ويدخل في هذه الصحة الوقائية تطعيم الأطفال والكبار للوقاية من الأمراض التي يمكن توقيها بالتطعيم، وتشجيع الناس على اتباع أنماط الحياة المعززة للصحة (كالاعتدال في الطعام وممارسة الرياضة وما إلى ذلك) ، وتخذيل الناس عن اتباع أنماط الحياة المنافية للصحة (كالتدخين ومعاقرة المخدرات والمسكرات وارتكاب الفاحشة) .

<<  <  ج: ص:  >  >>