للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أننا يندر أن نرى بلدًا يشبه البلد الآخر في نمط التأمين الذي اختاره، بل يندر حتى أن تتشابه المصانع والشركات والمؤسسات في البلد الواحد في النمط الذي تختاره. وقلما نجد أن بلدًا يقتصر على نمط واحد من أنواع التأمين. بل الغالب أن يتواجد (أي يوجد معًا) أكثر من نمط واحد، فتكون هنالك مثلاً تأمينات تعاونية صغيرة لبعض الحرف وتأمينات تعاونية مجتمعية للفلاحين تعيش جنبًا إلى جنب مع نظام واسع للتأمينات الاجتماعية للعمال، وتتكفل الدولة بما بقي، والأمثلة على ذلك كثيرة حتى ليكاد كل بلد يتميز (بتوليفة) معينة خاصة به.

ويرى بعضهم أن من أفضل ما يلبي المبادئ الأربعة المذكورة (العدالة والجودة والكفاءة والوقاية) هي شركات التأمين الخاصة (التجارية) ؛ لأن التنافس بين هذه الشركات كفيل بتقديم أفضل الخدمات بأرخص التكاليف، وذلك شريطة أن يكون للدولة دور تنظيمي ورقابي واضح، وأن تتولى الدولة مسؤولية العاجزين عن دفع أقساط التأمين، ولعل من أفضل الطرق لضمان الدور التنظيمي والرقابي، أن تنشئ الدولة شركة تأمين خاصة تتنافس مع الشركات الأخرى القائمة، وبذلك تحول الدولة دون قيام اتحاد احتكاري Trust بين الشركات الخاصة يتحكم في التكاليف، كما أن الدولة بذلك تجبر الشركات الأخرى على تحسين ما تقدمه من خدمات بفعل المنافسة.

هذا ما كان من أمر الدور التنظيمي والرقابي، أما أولئك الذين لا يستطيعون دفع أقساط التأمين، كالعاطلين عن العمل، والمعاقين العاجزين عن العمل، والفقراء المتلقين للمعونات الاجتماعية (من صندوق الزكاة أو وزارة الشؤون الاجتماية أو الجمعيات الخيرية) ، والمساجين، والطلاب، فإن الدولة تدفع أقساط التأمين التي كان من المفترض أن يدفعوها، وذلك من صندوق الزكاة أو المعونة الاجتماعية، وتزودهم ببطاقات صحية يقدمونها إلى مؤسسة تقديم الخدمة الصحية ليتلقوا الرعاية الصحية اللازمة عند الحاجة إليها بلا مقابل.

كذلك قد يستدعي الأمر بالنسبة لأولئك القادرين على الدفع جزئيًا، كالفلاحين والحرفيين وصغار الكسبة، أن تقوم الدولة بدفع ذلك الجزء من قسط التأمين الذي لا يستطيعون دفعه، وذلك وفق نظام خاص.

ومن الأمثلة على ذلك: في الولايات المتحدة الأمريكية نظامان أحدهما يقال له: الرعاية الطبيبة (Medicare) والثاني: المعونة الطبيبة (Medicaid) . في أولهما تتاح لأولئك الذين هم فوق الخامسة والستين من العمر، خدمات المستشفيات من تشخيص ومعالجة ورعاية تمريضية منزلية، وذلك لقاء ما كانوا يدفعون حينما كانوا يعملون وما كان يدفع أرباب عملهم من تأمينات طوال سنواتهم المثمرة، بالإضافة إلى مبلغ بسيط يدفعونه إلى هذا الصندوق المخصص للرعاية الطبية. أما برنامج المعونة الطبية فهو برنامج فيديرالي (أي على مستوى الحكومة المركزية) يتيح الخدمات الطبية لأولئك الذين هم دون مستوى معين من الدخل، ويقوم بتغطية النفقات المترتبة على ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>