للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النظرة الشرعية:

١ ـ أسلفنا أهمية الصحة والمحافظة عليها في نظر الشرع، وذكرنا باختصار كيف تولت الدولة الإسلامية منذ عهد الخلافة الراشدة قضية حفظ الصحة على الأصحاء وردها على المرضى، وما نعلم أحدًا يماري في مشروعية حرص الإنسان على المحافظة على صحته ما دام صحيحًا، والسعي بما يناسب من السبل لاستردادها إذا مرض، وتدخل في ذلك وسائل تشخيص المرض؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا بهو فهو واجب.

٢ ـ ولا يخالف أحد كذلك ـ فيما نعلم ـ في أن يدفع المريض لمقدم الخدمة الصحية أجره الذي اتفقا عليه فعلاً أو حكمًا (في وجود تسعيرة معروفة لمختلف الإجراءات الطبية) ولا حرج ـ فيما يظهر ـ في اشتراط البرء لاستحقاق المقابل، فذلك نوع من الجعالة أو المجاعلة، وهي عقد على عمل ذي نتيجة مظنونة (أي احتمالية) يقوم به الملتزم لمصلحة الجاعل لقاء عرض يقال له الجعل مشروط بحصول تلك النتيجة الاحتمالية؛ فإذا لم تحصل النتيجة لم يستحق شيئًا. ومن أمثلة الفقهاء لها مشارطة الطبيب على تطبيب المريض لقاء عوض بشرط البرء. وقد أجاز الجعالة مالك وأحمد إذا كان الجعل معلومًا، ومنعها أبو حنيفة، وللشافعي فيها قولان. وحجة المجيزين قوله تعالى في سورة يوسف: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: ٧٢] .

٣ ـ ولا حرج ـ فيما يظهر ـ في أن تتعاقد مؤسسة معينة مع مستشفى معين أو مؤسسة علاجية معينة، على تطبيب موظفيها (المعلوم عددهم) ، طوال مدة معلومة، لقاء مبلغ معلوم، على أن يلتزم المستشفى بتقديم ما يستلزمه ذلك من أدوية وتشخيص وعمليات وما إلى ذلك. ذلك أن الجهالة في هذا الالتزام ليست من الجهالة الفاحشة التي تؤثر في العقد، إذ ليست كبيع المضامين أو الملاقيح، وضربة القانص أو الغائص، وبيع الثمار على الأشجار قبل بدو صلاحها، ولكنها أقرب ـ في تمثيل الفقهاء ـ إلى بيع الثمار على أشجارها بعد بدو صلاحها، وإلى بيع الثمار المتلاقحة على أصولها (باعتبار ما سيوجد منها ـ مع أنه معدوم ـ تبعًا للموجود) كما أنها أقرب إلى استئجار المرضع بطعامها وشرابها وكسوتها على الرغم من جهالة عدد الرضعات ومقدار الطعام والكسوة.

<<  <  ج: ص:  >  >>