للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٨ ـ أما إذا كان الطرف الآخر (في دعم المنتفعين بالتأمينات التعاونية) مجموعة من الأفراد يؤلفون ما يسمى (شركة التأمين) ، وينتفعون في مقابل دعمهم المالي هذا بما تربحه الشركة من تثمير أموالهم بطريق حلال، فإن عددًا من العلماء يحرمون ذلك، وذلك بحجة الجهالة (وقد ذكرنا أنها تنعدم أوتكاد باعتماد قانون الأعداد الكبيرة والحسابات الأكتوارية) وبحجة شبهة المقامرة أو المراهنة (وقد أوضحنا الفرق الكبير بينهما وبين عمليات التأمين) ، وبحجة اشتمال التأمين التجاري على ربا الفضل أو النساء أو كليهما (وهذا لا ينطبق البتة في حالة التأمين الصحي) ، وبحجة أن المؤمن لم يبذل عملاً للمستأمن (مع أن شركة التأمين تدير أموال المؤسسة التأمينية وتثمر أموالها بما يضمن حسن تطبيب المستأمنين، وبما قد يسمح بإنقاص أقساط التأمين فينفع المستأمنين) .

ويرى عدد آخر من العلماء بالمقابل حل هذه الشركات ومشروعيتها، وذلك بحجة أن الأصل في الأشياء الإباحة (ما لم يقم دليل واضح على مناقضتها للكتاب والسنة) ، وأن الشرع لم يحصر الناس في الأنواع التي كانت معروفة قبلاً من العقود، أو بحجة أن هذه العقود الجديدة من المصالح المرسلة التي ثبتت منفعتها للناس وتجلى فيها تعاونهم على البر، أو بحجة أن التأمين أصبح في وقتنا الحاضر من الضرورات التي تبيح المحظورات، حتى أن ما حرم لذاته يباح للضرورة وما حرم لسد الذريعة يباح للحاجة.

ومن هؤلاء العلماء المجيزين من يقيس التأمين على ولاء الموالاة، عند من ذهب من الفقهاء إلى عدم نسخه (وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في رواية عنه) ؛ ومنهم من يقيس التأمين على الوعد الملزم عند من يلزم الواعد من الفقهاء (وهو قول ابن وهب من أصحاب مالك واختاره أصبغ) ومنهم من يقيس عقد التأمين على عقد المضاربة؛ فالمال من جانب المشتركين الذين يدفعون الأقساط، والعمل ـ وجزء من المال ـ من جانب الشركة التي تستثمر الأموال، والربح للمشتركين (بتغطية نفقات علاجهم) وللشركة (بأرباح الأموال المستثمرة بعد طرح النفقات) ؛ ومنهم من يقيس التأمين على كفالة المجهول وما لا يجب، عند من يجيزها (وهم الحنفية والمالكية والحنابلة) ، أو يقيسه على ضمان خطر الطريق عند من يجيزه (فقهاء الحنفية) أو يقيسه على نظام العاقلة، أو على عقد الحراسة الذي غايته تحقيق الأمان للمستأجر على لشيء المحروس فإذا سرق لم يأخذ الحارس أجره (أي إن الأجر على الأمان لا على مجرد العمل) .

ولا يخفى في جميع أشكال القياس الذي ذكرته أن طريق القياس ـ وفق قواعد أصول الفقه ـ لا يجب فيه التطق أو الاتحاد الكامل المطلق في الصورة بين المقيس والمقيس عليه، ولو كان ذلك التطابق أو الاتحاد واجبًا لما كنا بحاجة إلى القياس أصلاً؛ لأن المقيس يكون عندئذ فردًا من أفراد المقيس عليه يدخل مباشرة تحت النص الشرعي الذي يقرر الحكم في المقيس عليه. . وإنما يكفي في القياس وجود التشابه بين المقيس والمقيس عليه في نقطة ارتكاز الحكم ومناطه، وهي العلة.

٩ ـ ولا حرج ـ إن شاء الله ـ في قيام مؤسسات التأمينات الاجتماعية بالتكفل بنفقات التطبيب للمشاركين فيها، ويمكن أن يعتبر ما يدفعه أرباب العمل أو الدولة من باب التبرع منهما للتعاون على البر، ولو أن مصلحة كل منهما في دفع ما يخصهما من أقساط التأمينات واضحة للإبقاء على القوة العاملة في ذروة إنتاجيتها والتحرز من أي تعطيل للعمل أو إضعافه، فضلاً عما ذكرناه من قيام الدولة أو المؤسسة المالكة بالاقتراض في كثير من الأحيان من أموال التأمينات، وذلك شكل آخر من أشكال انتفاع الدولة أو المؤسسة المالكة لقاء ما يدفعان.

<<  <  ج: ص:  >  >>