على أن هذه المؤسسات التأمينية مؤسسات تعاونية محضة، لا يدفع لتغذية صندوقها إلا الذين سيستفيدون من التأمين على شكل تشخيص أو علاج أو وقاية، ومنها ما يشارك في الدفع طرف آخر لا يستفيد عادة من التأمين على شكل تشخيص أو علاج أو وقاية، وإنما يستفيد عوض ذلك فائدة أخرى، تتمثل إما في تحاشي تعطيل العمل بسبب المرض وما يجره ذلك من نقص في الإنتاجية (ومثال ذلك ما يدفعه أرباب العمل من أقساط عن عمال الشركة أو الحكومة عن موظفيها) وإما في تقاضي شيء من الربح من حصيلة ما يثمر من أموال المؤسسة التأمينية (ومثاله ما يدفعه أعضاء شركة التأمين) .
والظاهر ـ والله أعلم ـ أن هذه الأشكال جميعًا هي من أشكال التعاون المحمود المندوب إليه، وأنها تتساوى جميعًا أو تكاد من حيث انتفاء الجهالة والغرر، والبعد عن شبهة المراهنة أو المقامرة، وأن الفائدة المادية التي يستفيدها من يساهم في ضخ الأموال إلى صندوق المؤسسة التأمينية من غير المستفيدين من التطبيب، لا تؤثر في مشروعية العمل. . إذ لا بأس أن يؤجر الإنسان ويحمد، بل حتى في العبادة المحضة يأتي الحجاج {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ}[الحج: ٢٨] .
فلا حرج ـ إن شاء الله ـ في انتهاج أي من هذه الصور في التأمين من المرض، وإنما تفضل الصورة التي تحقق أكبر النفع للمستأمنين، وتضمن العدالة والجودة والكفاءة والوقاية في الخدمات الصحية على أحسن وجه، وذلك أمر يختلف بحسب الأزمنة والأمكنة، ويكون متروكًا إلى ولي الأمر يختار ما فيه مصلحة الناس. . والله سبحانه وتعالى أعلم.