أما بحث العارض، فقد قال في هذه الصورة: إن كلمة (مؤسسة) اصطلاح قانوني، يطلق على المؤسسة العامة التي تدير مرفقًا عامًا، ولا تسعى أساسًا إلى الربح، وقد تنصرف إلى المؤسسة الخاصة التي ليست مملوكة للدولة، وأن هذه المفارقة لها أثرها على الحل والحرمة، كما أن اشتراط تقديم المستشفى للدواء قد يؤثر في الحكم الشرعي. ومن ثم فقد قسم بحث العارض هذه الصورة إلى ثلاث صور.
الصورة الأولى: حيث تكون المؤسسة عامة أو تابعة للدولة أو تنفذ التزامًا مفروضًا عليها من الدولة، ففي هذه الحالة يكون التأمين الذي يجري على موظفي هذه المؤسسة –في حقيقته- نظامًا تفرضه المؤسسة بوصفها هيئة من هيئات الدولة أو منفذة لأوامرها، وبالتالي يكون التأمين الصحي هنا من قبيل التأمينات الاجتماعية التي تقدمها الدولة أو المؤسسات الخاضعة لها، وهو –باتفاق المجامع الدولية- حلال لا شية فيه.
الصورة الثانية: حيث تكون المؤسسة مؤسسة خاصة غير ملزمة من الدولة بالتأمين الصحي، ويكون المستشفى غير ملزم بتقديم الدواء، ففي هذه الصورة انتهت دراسة العارض إلى أن هذا الاتفاق يدخل تحت ما يسمى (بعقد التأمين الاجتماعي) وفق مصطلحات الدراسات القانونية؛ فهو ليس بعقد تأمين تجاري، لأن المؤسسة ليس لها مصلحة ذاتية، وإنما تهدف إلى التكافل، ولأن الترابط بين المؤمن عليهم واضح من ذات العقد ولا يستقي من خارجه. وهذا الاتفاق ليس كذلك عقدًا تعاونيًا خالصًا، لأنه ليس قائمًا على التبرع البحت، ولأن شخصية المؤمن تختلف عن شخصية المؤمن له، ثم هو في ذات الوقت ليس عقد تأمين اجتماعي، لأن المؤسسة التي أبرمته لا تمثل الدولة ولا تعقده امتثالًا لأوامرها، وإنما هو عقد تأمين مختلط، يغلب عليه الهدف الاجتماعي، ويقترب كثيرًا من التبرعات، ومن ثم فإن الأولى به أن يفوز بالمشروعية، تغليبًا للجانب الاجتماعي فيه، وتحقيقًا لما يوفره من خير عميم، ومن تسوية العاملين في المؤسسات الخاصة بموظفي المؤسسات العامة، لتحقيق مناط هذه التسوية فيهم جميعًا.
على أن بحث العارض قد اشترط للحكم بالمشروعية في هذه الصورة أن يتحقق الهدف من جماعية العقد، فيكون المقصود منه مصلحة الجماعة، ويكون العلاج جاريًا وفقًا للمجريات العادية للأمور، وواقعًا بالقدر الذي لا يتنافر مع المبلغ المدفوع من المؤسسة، وهذا إنما يكون إذا كان عدد العاملين من الكثرة بحث تتضمن ذلك قوانين الإحصاء وقانون الأعداد الكبيرة، ويكون من حق أطراف التعاقد تعديل مقدار المبلغ الذي تلتزم به المؤسسة، وتعديل المزايا التأمينية التي يتمتع بها المستفيدون، على هدى ما قد يطرأ من ظروف أو يكون قد وقع من خطأ في البيانات التي كانت أساس التأمين، وهذا كله على نحو ما استقر عليه عرف التعامل، التزامًا بجماعية العقد.