٥ ـ بقي بعد ذلك من تطبيقات العلاج الطبي المعروضة للبحث؛ اشتراط البرء لاستحقاق المقابل.
وقد رأى الدكتور الخياط أنه لا حرج فيه، وقال الشيخ التسخيري: إن من الأمراض ما يمكن للطبيب الماهر أن يطمئن فيها إلى النتيجة بإذن الله، وبالتالي فإن تصحيح هذا الاشتراط يراعى فيه نوع المرض، وقدرة المعالج، فإذا تخلفت النتيجة، فله الإمضاء، فإذا اختار الفسخ يعود إلى أجر المثل.
وقال الدكتور الألفي: إنه إذا كان غير البرء مقدر للطبيب، فالشرط فاسد والعقد صحيح، فيستحق الطبيب المقابل المتفق عليه، إذا بذل العناية، أما إذا جرى العرف الطبي على أن بذل العناية الكافية إزاء الحالة يؤدي (عادة) إلى البرء، فإن الشرط يكون صحيحًا، ويكون العقد كذلك صحيحًا فهذا التزام بنتيجة، فإذا لم يتحقق البرء لاستحق المقابل (١) وإذا جعل الاشتراط مع الطبيب على البرء جعالة، فيرى مالك وبعض المالكية والشافعية أنه إن شفي استحق الطبيب الجعل، وقال الحنابلة في ذلك ومنهم الإمام ابن تيمية: إنه إذا جعل للطبيب جعلًا على شفاء المريض، جاز، كما حدث لأصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين قبلوا قطيع الغنيم إن شفي سيد الحي بالرقية على أيديهم.
أما الدكتور الصديق فقد نقل ـ مشكورًا ـ في المسألة نقولًا كثيرة من المذاهب الأربعة، بعضها يجيز الاشتراط على البرء، إجارة، أو جعالة، والبعض الآخر يمنعها، ثم رجح فضيلته منع المشارطة مطلقًا، سواء أكانت في عقد إجارة أم عقد جعالة، وسواء اشترط الدواء على الطبيب أم كان على العليل، وذلك استنادًا من فضيلته على أنه إن كانت في عقد إجارة، فإن الغرر يكون في محل العقد (وهو العلاج حتى البرء) وهو غرر ناشئ عن الجهل بمدة العلاج، هذا إلى جانب أن اشتراط البرء على الطبيب شرط في وجوده غرر؛ لأن البرء قد يحصل وقد لا يحصل، والشرط الذي في وجوده غرر من الشروط الفاسدة المفسدة للعقد، ومثل ذلك في الحكم اشتراط البرء في عقد الجعالة؛ لأن الجعالة في القياس غرر لما فيها من جهالة العمل، وجهالة الأجل، وإنما جازت استثناء للحاجة إليها، في رد البعير الشارد ونحوه، ولا حاجة تدعو إلى مجاعلة الطبيب على البرء. ثم إن البرء كما يقول المانعون، غير مقدور للطبيب ولا يقدر عليه إلا الله.