وقد رجح بحث العارض ما يراه فريق من الشافعية والمالكية من أن المشارطة على البرء تخرج من باب الإجارة وتدخل في باب الجعالة، وقدم ما يراه مؤيدًا لذلك التكييف الشرعي من طبيعة التعامل وقيامه على الثقة والطمأنينة المتبادلة بين الطبيب والمريض، واستقلال الطبيب في مواجهة المريض، الذي قد يجهل الأمور الطبية الدقيقة، بل إنه قد يجهل حقيقة الحالة الصحية التي يمر بها، وكل ذلك يتجانس بصورة أفضل مع طبيعة الجعالة لا طبيعة الإجارة.
كما رجح بحث العارض أن يكون حظر الاشتراط على البرء عند بعض الفقهاء مرتبطًا بحالة الطب والأطباء على عصرهم، حين كان العلاج يقوم على تجارب لم يصقلها العلم بعد، كما كان يرتبط بعرف لا يجمع بين التطبيب والشفاء برباط وثيق، مما كان يقتضي التحوط، ومن ثم فإنه تجانسًا مع العرف الطبي الذي تغير بسبب التقدم العلمي المذهل في العلوم الطبية وما يتصل بها، وبسبب الإشراف الحازم على الأطباء: ترخيصًا وتدريبًا ومتابعة، وبسبب الرقابة الصارمة على العقاقير الطبية، قبل طرحها للتداول وبعد طرحها له، فإن الأمر تجاوبًا مع العرف الذي تغير يقتضي تعزيز الثقة في الطب والأطباء ووسائل العلاج، وبعد أن أصبح التنبؤ بالشفاء أمرًا مقبولًا في حالات كثيرة ولا يتعارض مع كون الشافي هو الله وحده؛ لأن اكتساب الأسباب أمر لا بد منه شرعًا وعادة.
ومن ناحية أخرى فإنه إذا ارتضى الطبيب ألا يطالب بشيء إلا عند البرء والشفاء، حتى يدفع بالطمأنينة إلى نفس المريض، ويعزز الثقة فيه وفي علاجه، فإنه يكون له ما اتفق عليه، تطبيقًا لمبدأ أن المؤمنين عند شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرَّم حلالًا.
هذه خلاصة موجزة لما وفقني الله إلى فهمه من الأبحاث الجيدة المثرية، أرجو أن أكون قد وفقت في عرضها.
وقد أعددت مشروع قرار مستخلص من هذه الأبحاث، ليتسنى تقديمه إلى لجنة الصياغة إن شاء الله لتدرسه، وتقر ما تراه منه أو من غيره.